[ترك الصلاة من أسباب استحواذ الشيطان على العبد]
ترك الصلاة سبب استحواذ الشيطان على العبد، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:٣٦ - ٣٩].
فمن يضيع الصلاة يضيعه الله ويخذله ويعاقبه بأن يقيض له شيطاناً يقارنه فلا يفارقه لا في الإقامة ولا في المسير، بل هو مولاه وعشيره، فبئس المولى وبئس العشير، فيتخذ قلبه المريض وطناً، ويعده مسكناً، وإذا تصبح بطلعته حياه وقال: فديت من قرين لا يفلح في دنياه ولا أخراه.
قرينك في الدنيا وفي الحشر بعدها فأنت قرين لي بكل مكان فإن كنت في دار الشقاء فإنني وأنت جميعاً في شقى وهوان وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية).
قوله: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان) فعدم إقامتهم للصلاة يسبب استحواذ الشيطان عليهم.
قوله: (فعليكم بالجماعة) أي: بصلاة الجماعة.
قوله: (فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) فبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الشيطان ذئب الإنسان، وهو أعدى عدو له، وكما أن الطائر كلما علا بعد عن الآفات، وكلما نزل احتوشته الآفات، فكذلك الشاة كلما كانت أقرب من الراعي كانت أسلم من الذئب، وكلما بعدت عن الراعي كانت أقرب إلى الهلاك، فأحمى ما تكون الشاة إذا قربت من الراعي، وإنما يأخذ الذئب من الغنم أبعدهن عن الراعي.
قال بعض السلف: رأيت العبد ملقى بين الله سبحانه وبين الشيطان، فإن أعرض الله عنه تولاه الشيطان، وإن تولاه الله لم يقدر عليه الشيطان.
وبين صلى الله عليه وسلم مظهراً من مظاهر كيد الشيطان لصد المؤمن عن ذكر الله وعن الصلاة، ودلنا على ما يحبط هذا الكيد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد) يعني: أنه يسحر الإنسان بنوع معين من السحر ليمنعه من القيام كما يعقد الساحر عند سحره، يقول تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق:٤] فالشيطان يفعل نفس الشيء بأن يعقد ثلاث عقد على قافية رأس الإنسان إذا أراد أن ينام، فالذي يخذله الله سبحانه وتعالى يعمل فيه هذا السحر الشيطاني، والذي يوفقه الله سبحانه وتعالى يصرف عنه ذلك السحر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من ذكر ولا أنثى إلا على رأسه حرير -يعني: حبل- معقود ثلاث عقد حين يرقد).
ويقول صلى الله عليه وسلم: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد -يغريه بالتمادي في النوم-، فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة، وإن توضأ انحلت عقدة، وإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) متفق عليه.
فالذي ينام عن الصلاة قد استسلم لعقد الشيطان ووسوسته حتى صار عدوه مستحوذاً على نفسه مسيطراً عليه.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل ثقيل ما زال نائماً حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم: بال الشيطان في أذنه) رواه البخاري.
وفي رواية ابن حبان: (إنه نام عن الفريضة)، فالشيطان استحوذ عليه واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول، إذ من عادة المستخف بالشيء أن يبول عليه، فمعنى أن الشيطان بال في أذنه أي: يستخف به ويستهتر به.