للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصلاة سبب النصر والتمكين والفلاح في الدنيا والآخرة]

إن الصلاة سبب النصر والتمكين والفلاح في الدنيا والآخرة، فقد قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:١ - ٢] إلى قوله جل وعلا: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون:٩]، فقوله عز وجل: (قَدْ أَفْلَحَ) أي: المفلحون أول صفاتهم الصلاة، وانتهى بوصفهم بالصلاة، {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:٢] وانتهى بقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون:٩] تماماً كما في سورة المعارج.

وقال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:١٤ - ١٥]، والفلاح: هو الفوز بالبقاء الدائم في النعيم، فالله سبحانه سمى الصلاة فلاحاً، وجعل النداء إليها نداءً إلى الفلاح، حي على الفلاح.

بعض الناس ينطق كلمة (حي) بالكسر، وهي بالفتح؛ لأن حيّ اسم فعل أمر، والفلاح هو الفوز بالمراد والبقاء في الخير.

إذاً: هذه أدلة على أن الصلاة هي الفلاح.

وبالصلاة يستمنح نصر الله سبحانه وتعالى، يقول الله عز وجل: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:٤٥]، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:٤٥] ولعل في تشريع صلاة الخوف حال الالتحام المسلح ما يشير إلى أثر الصلاة في استجلاب نصر الله تبارك وتعالى.

وعن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم).

هذا الحديث مهم جداً، وهو في صحيح البخاري بدون ذكر الإخلاص، فصلاة الضعفاء ودعاء الضعفاء وإخلاصهم هو أحد أسباب نصر هذه الأمة، والضعفاء: هم الأطفال واليتامى والنساء والشيوخ الطاعنون في السن، هؤلاء هم الضعفاء، فالإنسان إذا ابتلاه الله سبحانه وتعالى بشيء من ذلك، سواء كان ابناً مريضاً مزمناً، أو أولاداً صغاراً ضعافاً أو يتامى، أو أباً أو أماً كبيرين في السن، فحذار أن ينظر إلى أن هذا عبء عليه، بالعكس فرزقه ربما يأتيه بسببه، وقد تمنع الرزق بسبب المعاصي، لكن قد يأتيك الرزق ليس لك أنت؛ لأن معاصيك تمنع أن يتكاثر لك الرزق وتحجبه، لكن يأتي الرزق لهؤلاء الذين تعولهم من الأطفال أو النساء أو كبار السن، فهؤلاء رحمة من رحمة الله سبحانه وتعالى.

روي عن سليمان عليه السلام أنه خرج مع قومه للاستسقاء، فلما أراد أن يستسقي رأى نملة قائمة بقوائمها -يعني: رافعة قوائمها- وتقول: اللهم اسقنا ولا تؤاخذنا بذنوب بني آدم، كان هناك قحط وجدب فسمع النملة تدعو بهذا، وقد كان يفهم لغة النمل، فقال لمن معه: ارجعوا فقد سقيتم بدعاء غيركم.

وفي الحديث: (وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا) فهم يستحقون أن يمنع عنهم الماء من السماء، لكن الله سبحانه وتعالى من عدله لا يؤاخذ البهائم بذنوب الآدميين، فنحن نسقى من أجلها.

كذلك بالنسبة لهؤلاء الضعفاء من الأطفال أو النساء أو المرضى أو الشيوخ، فهؤلاء هم البركة، وهؤلاء ترزق وتنصر بسببهم، فلا تنظر إليهم على أنهم عبء، لكن انظر إليهم أنهم مصدر خير وبركة واستدرار للرزق، بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها)، وكلمة النصر تطلق أحياناً على الرزق، والشاهد في سورة الحج يقول عز وجل: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج:١٥] إن أحد المعاني الذي فسر بها النصر هنا هو الرزق، والسائل قد يأتي ويقول: انصروني نصركم الله، أو يقول: ارزقني حسنة، فأحياناً يطلق النصر على الرزق.

قال رجل للحسن: أوصني، قال: أعز أمر الله يعزك الله، قال تعالى: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧].

أي: انصر أمر الله بإقامة الصلاة ينصرك الله تبارك وتعالى، وقال الله عز وجل: {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ} [المائدة:١٢] يعني: إني معكم بالنصر والتأييد إن أنتم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة، ومن كان الله معه فقد تولاه، والله عز وجل لا يعز من عاداه ولا يذل من والاه، بل الذل حليف من حاربه وعصاه.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري) وعباد الله هم الذين يعاقب بهم أعداءه ويعذبهم بأيديهم ويستمدون منه زاداً ووقوداً في جهادهم، كما في قوله في سورة الإسراء: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الإسراء:٥]، فهؤلاء هم المؤهلون لأن يكونوا أداة لتعذيب أعداء الله تبارك وتعالى، ولا شك أنهم يقيمون الصلاة، وهذا إذا فسرنا (عباداً لنا) على أنه مدح لهم، وهناك تفسير آخر: وهو أنهم مسخرون لتعذيبهم وإن لم يكونوا مؤمنين.

وبهذه العبودية الحقة يتعرف عليهم الحجر آخر الزمان ويناديهم: (يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله) كما في صحيح مسلم.

فهل يمكن أن يكون عبداً لله ولا يقيم الصلاة؟! لا.

يتعجب الإنسان كيف يعيش الذي لا يصلي بدون صلاة! لماذا يتنفس من هواء الله؟! لماذا يأكل من رزق الله؟! لماذا يمشي في أرض الله؟! لماذا يتمتع بالعافية التي رزقه الله سبحانه وتعالى والعقل الذي كرمه به؟! لكن المفلحون الصالحون إذا فتح الله سبحانه وتعالى عليهم بالنصر والتمكين كان أعظم ما يقدمونه للناس إقامة الصلاة يقول عز وجل: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:٤١].

نكتفي الليلة بهذا القدر، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>