[الصلاة حفظ وحماية وحراسة للعبد في الدنيا والآخرة]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد: فإن الصلاة تحفظ العبد المؤدي لها من البلايا والمحن، يقول الله تبارك وتعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:٤٥]، وهي أيضاً تحفظ العبد من عذاب النار يوم القيامة، وأدلة هذا كثيرة، وأشهرها الحديث الذي فيه أن الملائكة يبحثون في النار عمن يستحقون الخروج من النار وعدم الخلود فيها، فيعرفون أهل الكبائر بعلامة الصلاة؛ لأن الله حرم على النار أن تأكل أثر السجود.
إذاً: المصلي في حماية الله تبارك وتعالى وحراسته كما بينا، فإن الله تبارك وتعالى قال في الحديث القدسي: (يا ابن آدم اكفني أول النهار أربع ركعات أكفك آخره أو أكفك بهن آخر يومك).
والمراد: صلاة الضحى أربع ركعات في أول النهار، والجائزة قوله: (أكفك بهن آخر اليوم) أي: أحفظك طوال هذا اليوم حتى آخره.
كذلك يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم) رواه مسلم.
قوله: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله) أي: في حراسة الله وفي خفارة الله وفي حمايته وحفظه وكلئه.
قوله: (فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء) يعني: أن الذي يصلي صلاة الصبح هو في جوار الله، فإياكم أن تخرقوا هذا الجوار، فتؤذوا أو تعتدوا على من هو في حماية الله.
وفي عرف الناس إذا دخل رجل في جوار رجل وفي حمايته، فإذا حصل عدوان على المستجير به الذي دخل في حمايته فإنه يعتبر عدواناً على المجير.
فهنا يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من صلى الصبح فهو في ذمة الله وفي جوار الله وفي حماية الله، فإياكم أن تؤذوا من هو في ذمة الله.
قوله: (فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم) أي: فمن لم يراع حرمة هذه الصيانة وهذه الحراسة الربانية فقد عرض نفسه للخطر الذي توعده الله تبارك وتعالى به، وهو أن يخلع عنه رداء عونه وتأييده، بحيث لا يبقى له أي ملاذ أو ملجأ، وسيجد نفسه يواجه الشيطان بمفرده بعد أن خذله الله تعالى، ولذلك يقول بعض الصالحين: والله ما عدا عليك العدو إلا بعد أن تخلى عنك المولى، فلا تظنن أن العدو غلب، ولكن الحافظ أعرض عن حفظك.
ويقول صلى الله عليه وآله وسلم في رواية أخرى: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فانظر يا ابن آدم لا يطلبنك الله من ذمته بشيء) وفيه وعيد لمن آذى المؤمن الذي يصلي الفجر؛ لأنه انتهك حرمة من هو في جوار الله وحمايته، وقد قال تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، ولا شك أن ولي الله لابد أن يكون مصلياً، كما أنه لابد أن يكون مسلماً.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ست مجالس المؤمن ضامن على الله تعالى ما كان في شيء منها، فذكر منها: في مسجد جماعة، وعند مريض، أو في جنازة، أو في بيته، أو عند إمام) إلى آخر الحديث، إي: إذا وجد الإنسان في أي من هذه المجالس فهو في ضمان الله وحراسته وحفظه.
وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة كلهم ضامن على الله، إن عاش رزق وكفي، وإن مات أدخله الله الجنة -وذكر منهم-: من خرج إلى المسجد) فالخارج إلى المسجد عنده ضمانة من الله، إن مد الله له في الأجل رزق وكفي، وإن مات أدخله الله الجنة.
فذكر في هذا الحديث: (ومن خرج إلى المسجد فهو ضامن على الله).
وفي الحديث المشهور عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك) وفي رواية: (احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة).
قوله: (احفظ الله) يعني: احفظ حدود الله وحقوق الله، واحفظ أوامره بالامتثال، ونواهيه بالاجتناب.
ويقول تبارك وتعالى: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [ق:٣٢].
(أَوَّابٍ) يئوب ويرجع إلى الله سبحانه وتعالى، (حَفِيظٍ) أي: حافظ لأوامر الله عز وجل، وحافظ لذنوبه كي يتوب منها ويستغفر منها باستمرار.
ومن أعظم ما يجب حفظه من أوامر الله عز وجل الصلاة، كما قال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:٢٣٨].
ومدح الله المحافظين عليها بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المعارج:٣٤].
ونلاحظ في سورة المؤمنون وفي سورة المعارج حينما ذكر الله سبحانه وتعالى صفات المؤمنين المتقين الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون، أنه جعل أول صفة وآخر صفة المحافظة على الصلاة، فكأن هذا هو السياج الذي يحوط كل الأعمال الصالحة.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (من حافظ عليها كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة).
وقال صلى الله عليه وسلم في الصلوات أيضاً: (من حافظ عليهن كن له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن).
إذاً: من حفظ حدود الله وراعى حقوقه حفظه الله؛ فإن الجزاء من جنس العمل.