[ترك الصلاة من أسباب عذاب القبر]
إن ترك الصلاة من أسباب عذاب القبر، فأول شؤمه بالنسبة لمراحل الانتقال إلى الدار الآخرة أنه إذا مات وخرجت روحه فإنه يعذب في القبر، فإذا قامت القيامة وبعث وحوسب يكون من أصحاب سقر، قال عز وجل: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:٤٢ - ٤٣].
يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:١٢٤].
فسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر، ولا ريب أن عذاب القبر من المعيشة الضنك التي يعانيها المعرض عن الله في الدنيا وفي البرزخ ويوم المعاد، وهذه الآية تحتاج من الإنسان أن يتدبرها كثيراً؛ لأنها كفيلة بإصلاح ما يفسد من أحواله.
وقبل هذه الآية يقول عز وجل: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه:١٢٣].
قوله: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ) أي: من اتبع الوحي فإنه لا يضل ولا يشقى، فمن يبحث عن السعادة والراحة فعليه أن ينظر إلى شرع الله وينفذه.
ثم قال عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:١٢٤].
قوله: (مَعِيشَةً ضَنكًا) هي عامة تعم المعيشة الضنك في الدنيا وعند الاحتضار وفي القبر والآخرة.
فما من شخص يحيد عن طريق الله سبحانه وتعالى ويغرق فيما حرم الله أو يضيع الواجبات التي فرضها الله، فلا شك أنه لا يكون سعيداً سعادة حقيقية، لا يمكن أبداً مهما أظهر خلاف ذلك، قال الحسن البصري رحمه الله: إنهم وإن هرطقت بهم الجمال، وهملجت بهم البراذين، فإن ذل المعصية لا يفارق رقابهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه.
من عصى الله لابد أن يجد هذا الذل والشقاء في قلبه، وتكون السعادة مزعومة كاذبة، والابتسامات العريضة تخفي وراءها مرارة وذل المعصية، فهذه حقيقة من حقائق هذا الوجود.
يقول عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف:١٥٢]، فكل صاحب معصية أو صاحب بدعة يجد ذلة تغشاه وتسود قلبه.
أهل الغرب انتهكوا كل حرمات الله تبارك وتعالى، واستحلوا أشد أنواع الفواحش، حتى التي تتصادم مع الفطرة الإنسانية، مدعين أن هذا يعالج اليأس وكذا وكذا إلى آخره؛ فنجد أن أكثر نسب الانتحار في هؤلاء المنحرفين، فهم لم يستريحوا لما استحلوا هذه المحرمات، فاستحلوها كي يهربوا من تأنيب الضمير، والشعور بالوزر أو بالذنب، وبالرغم من ذلك لما فروا إلى استحلالها عظم عليهم الاكتئاب، وازدادت الأمراض النفسية، وارتفعت جداً فيهم نسب الانتحار، فهذا دليل على أن كل من يصادم الفطرة ويحيد عن شرع الله تبارك وتعالى، فإنه لابد أن يعيش المعيشة الضنك، وما أحوال الإيدز والأمراض الجنسية المعروفة عنا ببعيدة.
قول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:١٢٤] هذا في الدنيا، وبعض العلماء -كما ذكرنا- فسر المعيشة الضنك بأنها عذاب القبر، ولاشك أن عذاب القبر هو نوع من أنواع المعيشة الضنك التي يعانيها المعرض عن الله في الدنيا.
ولا تتصور أن الضنك في المعيشة هو بقلة ذات اليد أو بالفقر أو بكذا أو بكذا، فإن الغنى الحقيقي غنى القلب وقناعته بالله ورضاه عن الله تبارك وتعالى، فالمعرض عن الله في شقاء حتى لو كان أغنى أغنياء الدنيا، وكان يتقلب في نعيمها ليل نهار، لكنه أشقى الأشقياء، ويسلط عليه من أنواع التكدير والتنغيص ما يحول بينه وبين التمتع بالدنيا، نجد المؤمن الفقير المعدم المحافظ على طاعة الله سبحانه وتعالى يمشي متنقلاً بجنة في صدره كما ذكر ذلك بعض الصالحين.
إذاً: عذاب القبر من المعيشة الضنك التي يعانيها المعرض عن الله في الدنيا وفي البرزخ ويوم المعاد.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ولا تظن أن قوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:١٣ - ١٤] يختص بيوم المعاد فقط، بل هؤلاء في نعيم في دورهم الثلاثة: في الدنيا، والبرزخ، والآخرة، والفجار في جحيم في دورهم الثلاثة.
وتارك الصلاة عامل بعمل الفجار أهل النار، فإن لم يتداركه الله سبحانه وتعالى بتوبة نصوح، فإنه يصحبه عمله السيئ إلى داخل قبره، قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الفاجر بعد دفنه: (ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح فيقول: أبشر بما يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: وأنت فبشرك الله بالشر، من أنت؟! فوجهك الوجه يجيء بالشر! فيقول: أنا عملك الخبيث، ويظل معه في القبر إلى يوم القيامة).
فيبقى في عذاب أليم ممتد إلى يوم القيامة.
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي، إلى أن قال: وأتينا على رجل مضطجع وإلى جانبه آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه -يعني: يشدخ رأسه- فيتدهده الحجر هاهنا -يعني: يتدحرج الحجر- فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى يعود رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى).
إلى آخر الحديث.
وفيه: (أن الملكين فسرا للنبي صلى الله عليه وسلم ما رأى فقالا: أما الرجل الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة)، وفي رواية: (فيفعل به ذلك إلى يوم القيامة).