[الرزق بيد الله]
الأرزاق بيد الله عز وجل يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، لا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى، وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، فمن شؤم المعاصي حرمان الرزق، فالرزق يقدر عن الإنسان ويضيق عليه؛ بسبب المعصية، فإذا استهان الإنسان بأعظم حق من حقوق الله تبارك وتعالى -وهو الصلاة- فأي ذنب أعظم من ذلك؟! فلا شك أن ترك الصلاة سبب لمحق البركة من الرزق، وليس الاشتغال باللهو والتجارة عن الصلاة هو الذي سيجلب لك المال ويجلب لك الرزق.
كان عروة بن الزبير رضي الله عنه إذا دخل على أهل الدنيا فرأى من دنياهم طرفاً، رجع إلى أهله فدخل الدار وقرأ قوله تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣١ - ١٣٢]، ثم يقول: الصلاة الصلاة رحمكم الله.
فانظر إلى هذا الفقه منه لهذه الآية: (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى).
قوله: (زهرة) يعني: سريعة الذبول.
قوله: (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) أي: لنختبرهم فيه.
قوله: (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) أي: ما عند الله من الثواب، خير وأبقى.
وقوله تعالى: ((وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)) [طه:١٣٢] أي: اصبر على ذلك.
{وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا َنحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢].
وقوله تعالى هنا بعدما أمر بالصلاة: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:١٣٢] فيه دفع لما عسى أن يخطر ببال أحد من أن المداومة على الصلاة ربما تضر بأمر المعاش، فقد يوسوس الشيطان لبعض الناس بهذه الفكرة، وأن الصلاة ستعطله عن طلب الرزق وعن المعاش، فكأنه قال: داوموا على الصلاة غير مشتغلين بأمر المعاش عنها، إذ لا نكلفكم رزق أنفسكم فنحن نرزقكم، فلا تقلقوا على الرزق، ولا تتركوا الصلاة ولا تؤجلوها اشتغالاً بالرزق، فلا تظن أن الاشتغال بالصلاة ينقص رزقك؛ لأن الرزق ليس عليك أنت، فالرزاق هو الله سبحانه وتعالى.
وتقديم المسند إليه للاختصاص أو لإفادة التقوى: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:١٣٢]، ولم يقل: نرزقك نحن، وإنما قال: {نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:١٣٢]، للدلالة على الاختصاص.
وقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ} [الذاريات:٥٦ - ٥٧]، فالله سبحانه وتعالى غني عن العالمين، لا يطلب منك العبادة لأنه محتاج إليها، فالله عز وجل هو الغني القوي المتين، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:٥٦ - ٥٨].
ويستفاد من الآية الكريمة: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢] أن الصلاة سبب لإدرار الرزق، وسبب لكشف الهم.
يروى عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت بأهله شدة أو ضيق أمرهم الصلاة، وتلا: ((وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ)) [طه:١٣٢]).
وأخرج الإمام أحمد في الزهد وغيره عن ثابت قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابت أهله خصاصة - حاجة أو شدة - نادى أهله بالصلاة: صلوا صلوا، قال ثابت: وكان الأنبياء عليهم السلام إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة).