للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وجوب ترك العمل لأداء الصلاة المفروضة]

إن الاشتغال بالصلاة يقطع الإنسان مؤقتاً عن عمل الدنيا، وبعض الناس قد يفتنون بالدنيا وراء تحصيل المال ولو على حساب إقامة الصلاة، فتجد أهل الدنيا ينشغلون وينهمكون في عمل الدنيا إلى حد اللهف والجري وراء الرزق ولو على حساب إقامة الصلاة، ولو ضيع صلاة الجماعة اشتغالاً بالرزق.

من هنا لم يغفل الشرع الشريف هذه الجزئية، فبين الله سبحانه وتعالى أن ترك اكتساب الرزق من أجل أداء الصلاة المفروضة فرض، وليس العمل عبادة، إذ لو كان العمل فعلاً عبادة لما كان الاشتغال بهذا العمل ساعة دخول وقت الصلاة حراماً، فترك اكتساب الرزق من أجل أداء الصلاة المفروضة فرض، يقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة:٩].

في جلسة من جلسات مجلس الشعب في عهد السادات قام أحد الناس الطيبين أثناء الجلسة التي كانت بعد العصر وقال: الصلاة يا رئيس، فقال له الرئيس: نحن في عبادة، واستمرت هذه العبادة حتى غربت الشمس! فما بالك بالذي يشتغل بالمباراة ومتابعة الكرة حتى تغرب الشمس أو غير ذلك من هذه الأشياء، فمن يقول: إن العمل عبادة فأوضح رد على تلبيسهم من القرآن الكريم قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)) [الجمعة:٩] وتدبروا كلمة (فاسعوا)، فالسعي المقصود به الجدية والمبادرة، لكن انظر في طلب الرزق كيف جاء التعبير: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:١٥] فأمرنا بطلب الرزق بالمشي، فعلى الإنسان ألا يستميت في طلب الرزق إلى الحد الذي يقطعه عن أداء العبادات.

قوله: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) عبر عن طلب الرزق بالمشي، أما العبادة فعبر عنها بالسعي، وقوله تعالى: (وَذَرُوا الْبَيْعَ) فالبيع الذي تسميه عبادة يجب عليك الآن أن تترك هذه العبادة التي هي العمل وطلب الرزق، فالدليل على أن ترك اكتساب الرزق من أجل الصلاة المفروضة فرض قوله تعالى: (وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) وبعد أداء حق الله تبارك وتعالى أُمروا أمر إباحة أن ينتشروا في الأرض في حوائجهم، فيقول عز وجل: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ثم وبخ سبحانه من ترك العبادة وانصرف إلى التجارة فقال: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة:١١] وقال تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>