نذكر فائدة مهمة جداً تتعلق بالأشياء المرتبطة بالمواعيد، سواء في حياة الإنسان من حيث السلوك الشخصي أو الجماعي أو العبادي؛ لأن الخمس الصلوات لكل صلاة منها موعد، {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء:١٠٣].
هناك قاعدة نستطيع أن نعممها إلا في استثناءات قليلة جداً تكون الأمور فيها جادة؛ لأن الشخص الذي يخلف موعداً إياك أن تصدق دائماً الأعذار التي يقولها، فهو عندما يبرر إخلافه للوعد يخادع نفسه دون أن يشعر؛ لأن هذا الموعد لو كان حبيباً إلى قلبه، لما كان هناك عائق يقف أمامه، لكن لعدم تعظيم هذا الأمر في قلبه لم يبال به، بدليل الطالب الذي يأتي دائماً متأخراً، ويعتذر مرة بموت عمه، ومرة بموت أخيه، وكل مرة يعتذر بموت أحد أقاربه، ومرة يعتذر بحصول حادث سيارة وغير ذلك من الأعذار المزعومة إلى آخره، فمثل هذا لو كان مسافراً وعنده موعد طائرة، كيف سيحتاط لمثل هذا الموعد؟! نادراً ما يتخلف شخص عن الطائرة، ونادراً أن تجد طالباً ينام حتى يفوت عليه وقت الامتحان؛ لأن الامتحان شيء مهم عنده، وموعد محترم له مكانته وله أهميته وله جديته، فلذلك يأخذ بكل الأسباب كي لا يخلف هذا الميعاد، مع أنه يتخلف عن صلاة الفجر في المسجد جماعة، أو يخرجها عن وقتها فلا يصليها إلا بعد خروج الوقت، فهلا احتاط لمواعيد دينه كما يحتاط لمواعيد دنياه؟! نلاحظ أن وقت الفجر فيه توقيت شتوي، وتوقيت صيفي، ففي الصيف يكون النهار طويلاً، والفجر يأتي والناس نيام؛ لأن الليل قصير، وهم يخرجون إلى العمل الساعة السابعة صباحاً أو الثامنة، فيتكاسلون عن حضور صلاة الفجر في جماعة، في حين أن الناس عندما تأتي مواعيد خروجها للعمل أو للدراسة في الشتاء في شدة البرد تجدهم يستيقظون عند صلاة الفجر، ويخرجون في البرد، حتى لا يتأخر على موعد عمله، لكن في الصلاة تجد الواحد لا يضبط نفسه على أن ينزل إلى الصلاة في موعدها.
فالشاهد من هذا الكلام أن كثيراً من الناس يتهاونون في صلاة الجماعة؛ وذلك لأن تعظيم الصلاة في قلوبهم ليس كما ينبغي؛ لأن هناك شيئاً من النفاق في القلب، وشيئاً من ضعف الإيمان؛ لأنه لو كان يعظم الصلاة ويعظم أمر الله كما ينبغي لما هان عليه أن يضيع الصلاة، ولحرص عليها تماماً مثل حرصه على العمل وموعد الطائرة؛ فانظر كيف يحتاط ويذهب المسافر إلى المطار قبل موعد إقلاع الطائرة بكذا ساعة، وكذلك آلاف الطلاب يحضرون الامتحانات مع السهر أثناء الليل للمذاكرة، ومع ذلك يقومون مبكرين، لكن كم من هذا العدد يصلي الفجر في وقتها في جماعة أو حتى في وقتها في البيت؟! كذلك الآباء تأخذهم بهم رأفة في دين الله، فيقول أحدهم: كيف أوقظه لصلاة الفجر وهو سهران، هذا فيه مشقة عليه إلى آخره؟!! يقول الله تعالى:{وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ}[النور:٢] فهذا شيء مذموم، فهؤلاء الآباء في مثل هذه الحالة يعتبر عدواً لابنه، فهذا عداوة وليست محبة، قال الله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}[التغابن:١٤] فهذه عداوة بصورة غير صريحة.
لو أن عندنا بصائر لراجعنا حسابنا والتزامنا بمواعيد الصلاة وبالذات صلاة الفجر، كما نلتزم بمواعيد العمل والسفر وغيرها؛ لكن لأننا لم نعظم الصلاة صرنا نتهاون عن الصلوات في أوقاتها مع الجماعة، وخاصة صلاة الفجر في جماعة.