[التخلص من عقد الشيطان على قافية العبد عند النوم]
لقد بين صلى الله عليه وآله وسلم مظهراً من مظاهر كيد الشيطان لصد المؤمن عن ذكر الله وعن الصلاة، ودلنا على ما يحبط هذا الكيد، فعن أبي هريرة رضي تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) متفق عليه.
فهذه صورة من صور كيد الشيطان؛ كي يصد الناس عن ذكر الله وعن الصلاة.
قوله: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد) الأقرب -والله تعالى أعلم- أن ظاهر الحديث أن الشيطان يمارس نوعاً من السحر في الحقيقة؛ لأن الله سبحانه وتعالى وصف السواحر بقوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق:٤]، فالساحرة تعقد عقدة وتنفث فيها بالكلام الذي تقوله، وتنفث فيها حتى تجتمع نيتها الخبيثة مع ريقها الخبيث مع كلامها الخبيث مع فعلها الخبيث، فالشيطان هو أصل الخبث كله، فهو يفعل هذا النوع من السحر في حق الإنسان إذا نام؛ كي يمنعه من القيام للصلاة والعبادة والذكر.
قوله: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة) يعني: إذا استيقظ الإنسان وشعر بهذا الثقل فليعرف سببه الذي أخبرنا به الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ويتذكر أن هذا الثقل إنما بسبب العقد الشيطانية، فهو يريد أن يشغلك عن الصلاة ويعطلك.
كذلك تذكر العلاج الذي وصفه لك الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم، فاستعمل العلاج خطوة خطوة.
الخطوة الأولى في العلاج المرتب: أول ما تستيقظ أن تذكر الله تبارك وتعالى، تلفظ بأذكار الاستيقاظ من النوم، فإذا ذكرت الله انحلت العقدة الأولى عنك.
الخطوة الثانية: أن تتوضأ، فإذا توضأت انحلت العقدة الثانية.
الخطوة الثالثة: أن تصلي لله عز وجل، فإذا صليت قيام ليل أو صلاة سنة أو غير ذلك انحلت العقد كلها، فأصبحت نشيطاً طيب النفس، وإن لم تمتثل هذه الخطوات في العلاج أصبحت خبيث النفس كسلان والعياذ بالله.
فالذي خذل يعمل فيه هذا السحر الشيطاني، والذي وفق يصرف عنه، ومما يؤيد هذا التفسير بأنه نوع من السحر يفعله الشيطان، قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رواية جابر رضي الله تعالى عنه: (ما من ذكر ولا أنثى إلا على رأسه جرير معقود حين يرقد بالليل) قوله: (جرير) يعني: حبل.
إذاً: الذي ينام عن الصلاة قد استسلم لعقد الشيطان ووسوسته، حتى صار عدوه مستحوذاً على نفسه، ومسيطراً عليه.
عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: (ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقيل: ما زال نائماً حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة، فقال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنه) رواه البخاري.
وفي رواية ابن حبان: (نام عن الفريضة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بال الشيطان في أذنه) ولك أن تتخيل عدو بهذه الدرجة من الكيد والمعاداة، حيث يجعل هذا الإنسان الذي غفل عن الصلاة كالكنيف المعد للبول وللغائط، وهل هناك استخفاف وإهانة أشد من ذلك؟! وقول النبي عليه الصلاة والسلام: (بال الشيطان في أذنه) على حقيقته، أما كيف؟ فلا ندري، ولا يقاس بما عليه نحن البشر من الأمور الحسية؛ لأن الشيطان بالنسبة إلينا غير ما نتصور، لكن الخلاصة أنه بال في أذنه، وكيف يبول؟! الله تعالى أعلم.
فمعنى الحديث: أن الشيطان استحوذ عليه واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المعد للبول، إذ من عادة المستخف بالشيء أن يبول عليه.