[ظهور شخصية هولاكو والأساليب التي استخدمها لإسقاط العراق]
ظهر بعد ذلك على هذه الصفحة من التاريخ رجل بشع يقال له: هولاكو، وكان ذلك في سنة (٦٥١هـ)، وكان ظهوره عندما تولى منكو خان زعامة دولة المغول، وكانت دولة المغول في ذلك الوقت من كوريا في شرق آسيا إلى بولندا في وسط أوروبا، وتولى زعامة هذه البلاد رجل اسمه منكو خان، وكان منكو خان أخاً لـ هولاكو، فأرسل منكو خان أخاه هولاكو لاستكمال إسقاط ما تبقى من بلاد المسلمين، وجاء هولاكو إلى إيران؛ ليكون قريباً من الأحداث.
إن شخصية هولاكو شخصية من أبشع الشخصيات في التاريخ، فهو رجل ليس له أي نزعة إنسانية، فقد كان يحب القتل ويتعطش للدماء بشكل مريع، وكان يمثل الجناح الأشد تطرفاً في دولة التتار، فإنه كان من دولة التتار أناس يعارضون هولاكو في حروبه الدموية البشعة، ولكنه كان هو الذي يسيطر على هذه الأمور، لقرابته من زعيم التتار في ذلك الوقت.
ماذا فعل هولاكو لإسقاط العراق؟ قرر أولاً أن يسقط طائفة الإسماعيلية، وهي طائفة من أبشع طوائف الشيعة، حتى إن كثيراً من العلماء أخرجوا طائفة الإسماعيلية بأفكارهم من الدين الإسلامي بالكلية، وكانت هذه الطائفة تتمركز في غرب إيران وعلى حدود العراق، وكانت لهم قوة عسكرية ضخمة، فلم يرد هولاكو أن يدخل على الخلافة العباسية الموجودة في العراق وفي طريقه طائفة الإسماعيلية، فأراد أن يدمر هذه الطائفة، وكان العنف والإرهاب هو الوسيلة المناسبة لهم، وبالفعل تم له ما أراد، وأفنى طائفة الإسماعيلية بكاملها.
الأمر الآخر الذي قرره هولاكو لاحتلال العراق كان أمراً في منتهى الدهاء، فبدلاً من أن يهلك جيوشه مع جيوش المسلمين الضخمة في منطقة العراق والشام والأناضول وما حولها؛ قرر أن يحدث انقساماً حاداً في هذه المنطقة، فقرر أن يتعامل بالاتفاق مع مجموعتين رئيستين من المسلمين، يعطيهم الوعود والعهود بالتمكين لهم وإغداق الهدايا عليهم، ومساعدتهم في الوصول إلى ما يريدون من حكم وسلطان في نظير إسقاط الخلافة في العراق.
الطائفة الأولى التي تعامل معها هولاكو هي طائفة الأكراد أحفاد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، فقد قام هولاكو بمراسلة الأشرف الأيوبي ملك حمص، وكذلك راسل الناصر يوسف الأيوبي أمير حلب ودمشق، ووعدهم أن يبقيهم في أماكنهم إذا ساعدوه، أو على الأقل يكونون على الحياد في حربه مع الخلافة العباسية، ووافق الأكراد على ذلك.
الطائفة الثانية التي تعاون معها هولاكو كانت طائفة الشيعة التي تعيش في العراق، وتعارض النظام الحاكم المتمثل في الخليفة العباسي في ذلك الوقت، وكان الخليفة لسوء فهمه لإدارة الأمور، وعدم تقديره الكافي للمسئولية؛ قد اختار أحدهم، وجعله أقرب المقربين إليه، فقد كان الوزير الأول للخليفة العباسي في الدولة التي تحارب التتار هو مؤيد الدين العلقمي الشيعي، وهكذا استطاع التتار أن يصلوا إلى هذا الرجل، ودارت بينهم وبينه الاتفاقات والمراسلات التي تؤدي إلى إسقاط الخلافة، على أن يتولى الأمور بعد ذلك في بغداد هذا الرجل، تحت حماية تترية وتأييد من هولاكو.
وكان من نصائح التتار لـ مؤيد الدين العلقمي أن يُهبِط تماماً من معنويات الخليفة والمسلمين، أو يشككهم في أمر الانتصار على التتار، فأخبرهم أنه من المستحيل أن يحاربوا هذه الأعداد الهائلة من البشر بهذه الإمكانيات الضعيفة عند بلاد المسلمين، بل إنه طلب من الخليفة العباسي طلباً غريباً جداً، والأعجب من ذلك أن الخليفة العباسي وافق على طلبه، طلب منه أن يقلل عدد الجيوش الإسلامية لإثبات حسن النوايا أمام التتار أنه لا يريد حرباً! فوافق الخليفة على ذلك، وقلل بالفعل من الجيش الإسلامي الموجود في بغداد، والجيش التتري على بعد خطوات في إيران.