[قيمة القراءة في الميزان الإسلامي]
لهذه المواقف ولغيرها غُرس حب القراءة فعلاً في قلوب المسلمين، ولم يكن هذا فقط في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو في عهد الصحابة بل في مراحل التاريخ الإسلامي كله، فالمكتبات الإسلامية في التاريخ الإسلامي كانت من أعظم مكتبات العالم، وليس هذا لمدة سنين قليلة بل لمدة قرون طويلة، فعلى سبيل المثال: مكتبة بغداد وقرطبة وإشبيلية وغرناطة وفاس والقيروان والقاهرة ودمشق وصنعاء وطرابلس والمدينة ومكة والقدس وغيرها، فهذا تاريخ طويل من الثقافة والحضارة والعلم.
هذه هي قيمة القراءة في الميزان الإسلامي والتاريخ الإسلامي.
ومع كل هذا التاريخ وكل هذه القيمة إلا أنه وللأسف الشديد فإن أمة الإسلام الآن تعاني من أمية شديدة! وانتكاسة حقيقية في الأمة التي أول كلمة من دستورها: اقرأ.
فإن نسبة الأمية التامة في العالم الإسلامي ٣٧% لا يعرفون القراءة أصلاً، فضلاً أن يقرءوا أشياء ويتركوا أشياء، فالعالم الإسلامي يُنفق على التعليم أقل من ٤% من الناتج القومي الإجمالي، وهذه نسبة قليلة جداً بالقياسات العالمية، فالموضوع ليس في بؤرة الاهتمام عند المسلمين، وهذه مشكلة خطيرة جداً وتحتاج إلى وقفة.
وهنالك درجات من الأمية موجودة عند أناس يعرفون القراءة والكتابة، وقد يكونون أنهوا دراساتهم الجامعية، وأحياناً معهم دكتوراه وعندهم أمية، فهم لا يعرفون أشياء مهمة جداً عن أشياء كثيرة يحتاجونها في حياتهم.
هناك أناس عندهم أمية دينية وقد يكون أستاذاً في الجامعة، أو دكتوراً كبيراً، أو محامياً كبيراً وهو لا يعلم الأساسيات التي يقوم عليها دينه.
وهذا أستاذ في الجامعة بلغ الخامسة والأربعين سنة أو أكثر من ذلك لا يعلم ماذا يقرأ في التشهد في الصلاة! وهذه أستاذة أخرى تصلي في المنزل جماعة مع زوجها، يؤم بها مرة وتؤم به مرة فهي لا تفهم شيئاً وهو لا يفهم شيئاً، فهذه الأخطاء تحدث في الصلاة التي هي عماد الدين فما بالك في الأمور الأخرى! فهذه أمية فاضحة.
وأقيمت مسابقة بين شباب الجامعة وكان أحد الأسئلة فيها عن ترتيب الخلفاء الراشدين الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فلم يستطع أحد منهم أن يجيب عن هذا السؤال.
وهنالك أناس لديهم أمية سياسية؛ فهم لا يعرفون ماذا يحدث من حولهم؟ لا يعرفون ما يحدث في فلسطين أو العراق، أو أمريكا أو أوروبا، بل إنهم لا يعرفون ما يحدث في بلادهم.
وهنالك أناس لديهم أمية في القانون، فلا يعلمون ما هي الحقوق التي لهم والواجبات التي عليهم.
وعلى ذلك فقس كل العلوم.
فالناس لا يقرءون القراءة التي تكفل لهم حياة سليمة، فضلاً عن تحصيل العلم, والقراءة المتخصصة، والثقافة العالية، فهذه أحلام عند أناس آخرين.
فهذه ردة حضارية خطيرة، نحن كنا أين؟ ووصلنا إلى ماذا الآن؟ سبحان الله! إن مفتاح قيام هذه الأمة هو كلمة: اقرأ، ولا يمكن أن تقوم الأمة من غير قراءة، ولهذا قال أحد المسئولين اليهود: نحن لا نخشى أمة العرب؛ لأن أمة العرب أمة لا تقرأ، وصدق اليهودي وهو كذوب؛ فالأمة التي لا تقرأ أمة غير مهابة وغير مرهوبة، فهذا أمر لا بد أن نضعه في أذهاننا.
وأحياناً تجد مشكلة أخرى، فقد تجد بعض الشباب يقضون وقتًا طويلاً في القراءة، منهم من صرف عمره في قراءة عشرات الصفحات من أخبار الرياضة، ومنهم من صرف عمره في قراءة أخبار الفن، ومنهم من صرفت عمرها في قراءة القصص العاطفية والروايات الغرامية والألغاز البوليسية، فهم بالفعل يقرءون حروفاً كثيرة جداً وكلمات كثيرة جداً، وصفحات وكتب ومجلدات لكن بدون أي فائدة، وتمر الساعات والأيام والشهور والسنين والفائدة لا شيء! فالأمر في غاية الخطورة؛ والقراءة في غاية الأهمية، والمادة التي تقرأها في غاية الأهمية.
إذاً: لدينا مشكلتان رئيسيتان: المشكلة الأولى: إن هناك أناس لم يتعودوا على القراءة، ويملّون من القراءة، وكلما تعلو همتهم يعودوا من جديد إلى الكسل، وهؤلاء في حاجة إلى أن نخبرهم عن وسائل تعينهم على القراءة وعلى الاستمرار فيها.
والمشكلة الثانية: إن هناك أناس يقرءون فعلاً، ولا يملون من القراءة، ينفقون فيها وقتاً طويلاً، ولكنهم يقرءون بلا هدف، ولا يعرفون ماذا يقرءون لتصبح قراءتهم نافعة؟! وهؤلاء في حاجة إلى أن نخبرهم ماذا يجب أن يقرءوا؟