[التربية على التحكم في الأعصاب عند الغضب والقدرة على كظم الغيظ]
ثالثاً: الذي يربيه رمضان في المؤمنين: التحكم في الأعصاب والقدرة على كظم الغيظ، وهذا أمر من أعظم الأمور في بناء الأمة الإسلامية؛ لأن الفرد المتسرع منفلت الأعصاب لا يصلح لبناء الأمة.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به)، يعني: الصيام وقاية وحماية للإنسان: (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل، فإن سابه أحد أو قاتله)، إلى هذه الدرجة يا إخوة السباب بل والقتال:(فليقل: إني صائم، إني صائم)، تأمل إلى أي حد يربي الصيام على التحكم في الأعصاب، وعلى عدم انفلات اللسان، وعلى كظم الغيظ، وعلى العفو عن الناس، وكلها صفات أساسية في الأمة المجاهدة.
في مجال الحروب المسلمون من أعدائهم، لذلك يجب عليهم أن يتعاملوا مع أسراهم بالسمت الإسلامي على الرغم من العداوة بينهم، لا سباب ولا تعذيب ولا إيذاء:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}[الإنسان:٨].
بل إنهم في الحرب ذاتها لا يجوز لهم أن يتجاوزوا في قتالهم إلى قتال المدنيين مثلاً، أو إلى قتال النساء والأطفال والمعاقين وغير ذلك، كل هذا مع أن في قلوبهم غضباً شديداً منهم، فهم يحاربون دولة محاربة لهم، ولكن الحرب في الإسلام لها ضوابط شرعية معروفة، ولن يقدر على هذه الضوابط إلا هادئ الأعصاب الذي لا يتسرع في قرار، ولا ينتصر لشهوة داخلية.
الإسلام دين راق جداً يدرب جنوده على حسن معاملة الآخرين، حتى في حال العداوة والكراهية:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[المائدة:٨]، فالصيام يقوم بهذا التدريب بصفة مستمرة، فتستفيد الأمة من هذا حتى في أوقات السلم، فتجدها يغلب عليها هدوء الأعصاب، والتحكم في اللسان، وكظم الغيظ، كل هذا من تربية الصيام.