[بث الرسول صلى الله عليه وسلم للأمل في قلوب أصحابه في الفترة المكية]
كان صلى الله عليه وسلم يمر على مجالس قريش ويقول لهم: (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا (كلمة واحدة تعطونها تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم)، فكان يخاطبهم بذلك في الفترة المكة ويبشر المسلمين المحصورين في الفترة المكية بسيادة الأرض وملك العرب والعجم، أي: فارس والروم أكبر دولتين في الأرض في ذلك الزمن، وكانتا تقتسمان العالم في ذلك الزمن، النصف الشرقي فارس، والنصف الغربي الروم، ومع ذلك كان صلى الله عليه وسلم في زمان الاستضعاف والقهر والتعذيب والبطش والإحاطة من الكفار للمسلمين كالسوار حول المعصم الفترة المكية يبشر ويبث الأمل في قلوب المسلمين.
ثم مكن الله عز وجل الذي قال: لا إله إلا الله من أهل مكة من فتح هذه البلاد ومن نشر دين الله في ربوع الدنيا، وأما الذي لم يقلها فقد سحب في قليب بدر بعد ذلك مشركاً كافراً، وقد كان الفارق بين هذه الكلمات وبين معركة بدر ثلاثة عشر أو أربعة عشر سنة فقط، وليس بشيء في عمر الأمم إخواني في الله، فمن الممكن في الوقت الحاضر بعد ثلاث عشرة أو أربع عشرة سنة فقط -وليس ذلك على الله بعزيز- أن تكون أمة الإسلام هي الأمة الرائدة في الأرض، وهذا بيد الله عز وجل، ولكن {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٣٩].
و (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا).
والقول لا يكون فقط باللسان ولكن بالفعل، أن تعرف معنى لا إله إلا الله، وترتبط بالله عز وجل، فلا تلجأ إلا إليه، ولا تطلب إلا منه، ولا تعتمد إلا عليه سبحانه وتعالى.
هذه هي لا إله إلا الله الحقيقية التي أرادها منا ربنا سبحانه وتعالى، فإن قلناها بهذا المفهوم فتح الله علينا بلاد الأرض جميعاً، وملكنا الأرض في الدنيا، وأعطانا في الآخرة الجنة.
وفي أشد لحظات المعاناة خرج صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الطائف بعد أن أغلقت أمامه أبواب الدعوة تماماً في مكة، وكانت أول مرة يخرج فيها صلى الله عليه وسلم من مكة إلى غيرها؛ لأنه في السابق كان هناك مجال للدعوة داخل مكة، وأما الآن فلا يوجد مجال الدعوة، فقد أغلقت القلوب تماماً بعد موت أبي طالب وبعد موت السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها، وسمي ذلك العام بعام الحزن، ولم يدخل في ذلك العام رجل واحد في دين الله عز وجل من أهل مكة.
ودعا صلى الله عليه وسلم في مكة قبل أن يخرج إلى الطائف بدعاء ما دعا به مطلقاً قبل ذلك في مكة؛ تعبيراً عن عدم توقعه لإيمان أي أحد من هؤلاء الذين ذكرهم في الدعاء، ففي العام العاشر من البعثة وقف صلى الله عليه وسلم في وسط الكعبة ورفع يده إلى السماء وقال: (اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بـ عتبة بن ربيعة، اللهم عليك بـ شيبة بن ربيعة، اللهم عليك بـ أبي جهل، اللهم عليك بـ أمية بن خلف، اللهم عليك بـ عقبة بن أبي معيط، اللهم عليك بـ الوليد بن المغيرة)، وعد السابع فلم يحفظ، وفي رواية أنه: (عمارة بن الوليد) وقبل هذا كان يقول: (اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام)، ثم خرج صلى الله عليه وسلم في هذا الجو الصعب إلى الطائف، وفي الطائف وجد ما نعرفه جميعاً من صد عن سبيل الله ومن إلقاء الحجارة عليه وعلى زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه، ومن إلقاء التراب فوق رأسه الكريم صلى الله عليه وسلم، وما آمن رجل واحد داخل الطائف، وظلوا يتابعونه صلى الله عليه وسلم خمسة كيلو خارج الطائف، ويجرون وراءه صلى الله عليه وسلم وهو يسرع الخطى ومعه زيد بن حارثة رضي الله عنه، ثم دخل حائطاً لـ عتبة بن ربيعة الذي دعا عليه، وكانت الحالة التي أصابته صلى الله عليه وسلم قد جعلت قلب الكافر يرق له وتحرك فيه عاطفة الرحم، فبعث له عنقود عنب صلى الله عليه وسلم، ولم يخرج من كل هذه الزيارة إلا بـ عداس رضي الله عنه وأرضاه، فقد آمن عداس الغلام النصراني، ثم خرج من الحديقة متجهاً نحو مكة، والمسافة بين مكة والطائفة مائة كيلو متر مشاها صلى الله عليه وسلم على الأقدام، قال صلى الله عليه وسلم: (فانطلقت مهموماً على وجهي)، أي: أنه في قمة الألم، (فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب).
والمسافة بين قرن الثعالب وبين الطائف ٣٥ كيلو متراً، فكل هذه المسافة لم يشعر بها صلى الله عليه وسلم، فقد كان في شبه إغماء، ومع كل هذه المعاناة فقد رجع مرة أخرى إلى مكة وهو في حالة من الضيق؛ إذ كيف سيدخل مكة وقد ذهب إلى الطائف يطلب النصرة منها على أهل مكة، وقد رآه عتبة بن ربيعة فهذا أمر صعب جداً.
حتى قال له زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه: كيف تدخل مكة وقد أخرجوك؟ إلا