[التربية على التقوى]
سابعاً: الذي يربيه رمضان فينا هو لب الصيام وهو الغاية الرئيسية منه التقوى، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:١٨٣].
فرمضان يزرع فينا التقوى، ما هي التقوى؟ التقوى هي وصية الله عز وجل إلى خلقه: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:١٣١].
وهي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، فيما رواه الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).
والتقوى: هي أن تتقي غضب الله عز وجل في السر والعلن، إذا كنت في بيتك وقد غلقت عليك الأبواب ولا يراك أحد وأنت صائم، وبجوارك الطعام الشهي والماء العذب وأنت جائع عطشان، ومع ذلك لا تقرب الطعام ولا الشراب مخافة الله عز وجل، فهذه هي التقوى.
وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: ليست بقيام الليل ولا بصيام النهار، ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله عز وجل.
عندما تعود من عملك متعباً منهكاً وتسمع أذان العصر فتنزل وتصلي في الجامع مع تعبك الشديد؛ لأجل الحسنات المضاعفة فهذه هي التقوى.
عندما تواجه في شغلك أو في بيتك أو في الشارع من يجهل عليك ويسبك بل ويقاتلك فتقابل جهله بالحلم، وتقابل أذاه بالعفو، وتقول: إني صائم، فهذه هي التقوى.
عندما تضبط المنبه قبل الفجر بساعة أو ساعتين؛ لكي تقوم تناجي ربك في جوف الليل ولا يراك أحد إلا الله، ولا يسمع بك إلا الله، فهذه هذ التقوى.
عندما تشعر بالفقراء والمساكين والمحتاجين فتخرج من جيبك لهذا أو لذاك وتخفي صدقتك فلا تعلم شمالك ما أنفقت يمينك، تفعل ذلك رغبة في الجنة، وخوفاً من النار، فهذه هي التقوى.
عندما تكون حريصاً كل الحرص على أن تعرف رأي الدين في أمر من الأمور، وتتبع كلام الله عز وجل وكلام رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم دون أي جدل ولا تردد، فهذه هي التقوى.
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه وأرضاه: تمام التقوى أن يتقي العبد الله عز وجل، حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال؛ خشية أن يكون حراماً.
وسئل أبو هريرة رضي الله عنه عن التقوى؟ فقال لسائل: هل أخذت طريقاً ذا شوك؟ قال: نعم، قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عدلت عنه، يعني: تجنبته، أو جاوزته يعني: قفزت من فوقه، أو قصرت عنه يعني: وقفت ولم أعبر، قال أبو هريرة: ذاك التقوى.
فالشوك هو الذنوب والمعاصي وهو ما حرم الله عز وجل، يقول الشاعر: خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقى واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى يا ترى ما هو الذي سيحصل لو أن الأمة أصبحت أمة تقية؟ سينجو الفرد، ليس فقط الفرد الذي سينجو، بل ستنجو الأمة جميعاً، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:٢ - ٣]، هذا ليس للأفراد فقط، بل للأمة جميعاً، يجعل الله عز وجل للأمة مخرجاً من همومها ومشاكلها ومصائبها، يرزق الله الأمة من حيث لا تحتسب، وترفع عنها الأزمات الاقتصادية، ويكثر الخير في أيدي الناس، ويهابها أهل الأرض جميعاً، أمة تقية: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران:١٢٠]، ويقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:١٢٨]، فأمة يكون الله عز وجل معها، من يكون عليها؟ لا أحد.
إذاً: التقوى ثمرة من ثمرات رمضان، ورمضان فرصة حقيقية للأمة أن تبني نفسها من جديد، وفرصة للصالحين أن يزدادوا قرباً من الله عز وجل، وفرصة للعصاة أن يعودوا إلى ربهم، وفرصة لرفع البلاء، وفرصة للنصر على الأعداء، وفرصة للسيادة والتمكين، وفرصة لبناء الأمة، ورمضان تنقية للصف المسلم، وتميز للمسلمين وعزة بالهوية الإسلامية، وتربية وأي تربية.