[الإكثار من النوافل]
ثالثاً: الإكثار من صلاة النافلة، فالحجاج لديهم فرصة ضخمة لتحصيل الأجر من الصلاة في البيت الحرام والصلاة في الحرم النبوي، لكن الله سبحانه وتعالى لم يحرمك من فرصة زيادة الحسنات عن طريق صلاة النافلة وأنت في بلدك، بل وأنت في بيتك، فعليك أن تشعر تماماً كأنك في الحج وأنت في هذه الأيام العشر، فالحاج لا يضيع أي وقت وهو في مكة؛ لأن كل صلاة يصليها بمائة ألف صلاة، أيضاً أنت لا تضيع وقتك وأنت في هذه الأيام وستجد حسنات كثيرة لا تتوقعها، مثال ذلك: قيام الليل، قيام الليل بالذات في هذه الأيام له أجر خاص ووضع خاص، كثير من المفسرين يذكرون أن الله عز وجل عندما أقسم قائلاً: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:١ - ٢]، يعني بها: هذه الليالي العشر من أول ذي الحجة، فقم وصل في الليل بقدر ما تستطيع، واسأل الله الذي أنت تريده.
ففي الصحيحين يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟)، فيا الله! تريد ماذا أكثر من هذا؟! الله سبحانه وتعالى هو الذي يتودد إليك، وهو الذي يطلب منك أن تذكر له حاجتك، أليس عندك مريض وتتمنى أن يعافى؟ أو عندك امتحان وتتمنى أن تنجح فيه؟ أو عندك مشكلة وتتمنى أن تحل؟ أو ترى ظالماً وتتمنى من الله أن يرده عن ظلمه؟ أو لك حق وتتمنى من الله أن يعيده إليك؟ أليس عندك شيء من هذه الأشياء؟! طيب.
ألا تريد مالاً؟ ألا تريد صحةً؟ ألا تريد زوجةً؟ ألا تريد أولاداً؟ يقول الله لك: (من يسألني فأعطيه).
كذلك أليس عندك ذنب تتمنى أن يغفره الله لك؟ من منا ليس عنده ذنب؟ (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، ألسنا نحسد الحجاج؛ لأن الله يغفر لهم كل الذنوب؟ إذاً: فالله يعطيك هذه الفرصة كل ليلة، فهو يسألك ويقول لك: (من يستغفرني فأغفر له)، فأنت فقط استيقظ واستغفر الله وهو سيغفر لك من غير أن تدفع عشرين ألف جنيه أو أكثر وتذهب لتحج، وليس معنى هذا: أن الناس يتركون الحج، فالحج من أعظم العبادات في الإسلام، لكن أنا أقول لعموم المسلمين الذين لم ييسر الله لهم فرصة الحج لأي ظرف كان، إن الله أعطاكم بدائل عن الحج، فهناك أناس في وقت الحج يحصلون على أجور تقارب أجر الحج، بل والله ربما يكون أجره أعلى، وذلك إذا كانت النية خالصة تماماً لله، والاشتياق حقيقي للمغفرة وللعمل الصالح.
ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رض الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن بالمدينة أقواماً)، قال هذا الكلام وهو راجع من غزوة تبوك، (إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم)، يا سبحان الله! هم قاعدون في المدينة، لكنهم يأخذون أجر المجاهدين في سبيل الله، فتعجب الصحابة وقالوا: (يا رسول الله! وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر)، فأنت قد تتمنى أن تحج حجاً حقيقياً، وتكون مشتاقاً للحج، ومشتاقاً للمغفرة، فانتبه أن تضيع هذه الفرصة.
وليست النافلة فقط قيام الليل، بل بقدر ما تستطيع أد نوافل أخرى، كالسنن القبلية والبعدية لكل الصلوات.
واسمع هذا الحديث الرائع: عن أم حبيبة رضي الله عنها أم المؤمنين قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة).
تفسير هذا الحديث في رواية الترمذي عن أم حبيبة رضي الله عنها أنها: اثنتان قبل الصبح، وأربع قبل الظهر، واثنتان بعد الظهر، واثنتان بعد المغرب، واثنتان بعد العشاء.
فهذه اثنتا عشرة ركعة.
وانظر إلى أزمة البيوت التي نحن نعيشها الآن، وفكّر معي لو أن أحد الملوك وعدك أنك لو فرغت له نصف ساعة يومياً فإنه سيعطيك بيتاً واسعاً على النيل، فيا ترى هل ستفرغ له نصف ساعة أم لا؟ فقد تقول سأفرغ له عشر ساعات أو عشرين ساعة أو أفرغ عمري كله.
كذلك الله سبحانه وتعالى -ولله المثل الأعلى- لو فرغت له نصف ساعة في اليوم لتأدية هذه النوافل فإنه سيبني لك بيتاً في الجنة ليس على النيل وإنما في الجنة، تريد ذلك أم لا تريد؟ فالمسألة هي مسألة إيمان، ومن كان عنده يقين في وعد ربه لن يفرط في ذلك.
إن النوافل كثيرة، ومن الممكن أن تقوم بها في هذه الأيام العشر، وهي تدريب لك لكي تستمر عليها طيلة العمر، فتعود على صلاة الضحى، وعلى سنة الوضوء، وعلى صلاة الحاجة، وصلاة الاستخارة، وصلاة التوبة، صلِّ صلوات لله تطوعاً، صلِّ عن الصلوات التي فاتتك في عمرك، واجعل هذه الأيام العشر هجرة كاملة إلى الله عز وجل.