للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن العباس رضي الله عنه قال: قال والدي عبد المطلب قدمنا اليمن فنزلنا على حبر من اليهود، فقال: ممن الرجال؟ فقلت من قريش. قال من أيهم؟ قلت من بني هاشم. قال: أتأذن لي أن أنظر بعضك؟ قلت: نعم، قال ففتح إحدى منخري، فنظر فيه ثم نظر في الأخرى، فقال: أشهد أن في إحدى منخريك ملكاً وفي الأخرى نبوة، وإنما نجد ذلك في بني زهرة، فكيف ذلك؟ قلت: لا أدري. قال: هل من شاعة؟ يعني زوجاً منهم لأنها تشايع زوجها وتناصره، قلت: أما اليوم فلا، لي زوجة منهم، فقال: إذا تزوجت فتزوج منهم، فلما رجع عبد المطلب تزوج هالة بنت وهب، وزوج عبد الله آمنة بنت وهب، فولدت هالة الحمزة رضي الله عنه، وولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: إن الحبر قال لعبد المطلب: أرى ملكاً ونبوة، وأراهما في المنافين عبد مناف بن قصي، وعبد مناف بن زهرة، واختلف في وقت حمل آمنة به صلى الله عليه وسلم فقيل: إنها حملت به يوم الاثنين من رجب، وقيل أيام منى، والأول منطبق على القول بأن ميلاده صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول، والقول الثاني موافق لما ذهب أن ميلاده صلى الله عليه وسلم كان في رمضان، وكانت آمنة تقول: ما شعرت أني حملت به، ولا وجدت له ثقلاً كما تجد النساء إلا أني أنكرت رفع حيضتي، وربما كانت ترفع عني وتعود، وقالت آمنة: أتاني آت وأنا بين النائمة والياقظة فقال: هل شعرت أنك حملت بسيد هذه الأمة ونبيها؟ وأمهلني حتى دنت ولادتي فأتاني فقال: قولي إذا ولدته، أعيذه بالواحد الصمد من شر كل حاسد، يأخذ بالمراصد، ثم سميه محمداً، فإن اسمه في التوراة والإنجيل أحمد يحمده أهل السماء والأرض، وفي القرآن محمد وفي رواية أخرى: اسمه أحمد، وقالت آمنة: أتاني آت حين مر بي من حملي ستة أشهر في المنام. وقال لي: يا آمنة إنك حملت بخير العالمين. فإذا ولدته فسميه محمداً، واكتمي شأنك، وقال ابن عباس رضي الله عنه: كان من دلالة حمل آمنة أن كل دابة لقريش نطقت تلك الليلة، ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوساً، وعن كعب الأحبار: أن صبيحة تلك الليلة أصبحت أصنام الدنيا منكوسة. وقال أهل السير: وكانت السنة مجدبة والناس في ضيق، وشدة فاخضرت الأرض، وحملت الأشجار، وأتاهم الرفد من كل جانب فسميت سنة الفتح والابتهاج، وفي الحديث: "أن الله تعالى قد أذن تلك السنة لنساء الدنيا أن يحملن ذكوراً" كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر الحافظ النيسابوري: أن نور النبي صلى الله عليه وسلم لما صار إلى عبد الله كان يضيء في غرته وتفوح من فمه رائحة المسك الأذفر، وكانو يستسقون به فيسقون. ونام في الحجر فانتبه مكحولاً مدهونا قد كسي حلل المهابة، والجمال، فتحير ولم يدر من فعل به ذلك، فانطلق به أبوه إلى كهنة قريش، فقالوا: إن إله السموات قد أذن لهذا الغلام أن يتزوج، ونام مرة أخرى في الحجر فرأى رؤيا فقصها على الكاهن، فقالوا: لئن صدقت رؤياك ليخرجن من ظهرك من يؤمن به أهل السموات والأرض، وليكونن للناس علماً مبينا، هذا الذي ذكره شارح الهمزية. وقال أيضاً: ولما حملت به آمنة ظهرت عليها الأنوار، وكسيت أثواب البهاء والجمال، وهتفت بها الهواتف بالبشارات، وقيل: إن راهباً كان بمر الظهران وهو مكان بمكة، كان يقول: يوشك أن يولد منكم يا أهل مكة مولود اسمه محمد تدين له العرب، ويملك العجم، وهذا زمانه، فكان لا يولد مولود إلا سئل عنه حتى ولد صلى الله عليه وسلم وأخبر الراهب جده بولادته فقال: سميه محمداً وقد طلع نجمه البارحة، وعن عائشة رضي الله عنها، أنه كان بمكة يهودي فصاح ليلة ولادته: يا أهل مكة هل ولد فيكم الليلة مولود؟ فقالوا: لا نعلم. فقال: ولد الليلة نبي الأمة الأخيرة، بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس، فأدخلوه على أمه آمنة لما ولد صلى الله عليه وسلم وكشف له عن ظهره فرأى تلك العلامة فخر مغشياً عليه ثم أفاق، فقال: ذهبت النبوة من بني إسرائيل.

ومن آيات حمله صلى الله عليه وسلم ما كانت تراه أمه وأبوه وجده من الرؤيا الصادقة، ولما حملت به أخبرت الكاهن بقرب ظهوره، وطلوع كوكب نوره، ومنها ما سمعته قريش من الهواتف على الحجون شعراً:

فأقسمُ ما أنثى منَ النَّاسِ أنجبت ... ولا ولدت أنثى من النَّاسِ واحدة

<<  <   >  >>