كما ولدت زهريّة ذاتَ مفخرٍ ... مجنَّبةً لؤمَ القبائلِ ماجدة
ومنها أنه كان يسمع كل شهر من شهور حمله: أبشروا فقد آن أن يظهر أبو القاسم مباركاً ميموناً.
ومنها أن نودي في الملكوت، أن النور المكنون قد انتقل إلى بطن أمه آمنة ذات العقل الباهر والفضل الظاهر، ولما صار لآمنة شهران من حملها برسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عبد المطلب ولده عبد الله أن يسافر إلى غزة من أرض الشام، ليأخذ لهم ما يحتاجون من لباس وطعام وغير ذلك، فسار مع التجار، واشترى لهم طعاماً وثياباً وغير ذلك، ولما عاد التجار عاد معهم عبد الله، فتمرض بالطريق، ولما وصلوا إلى المدينة ثقل بعبد الله المرض فتخلف بها عند أخواله بني عدي بن النجار، ولبث في المدينة أياماً ومات ودفن هناك وله من العمر ثلاثون سنة، ولما بلغ خبر وفاته إلى عبد المطلب وجد عليه وجداً شديدا، وحزن عليه وبكى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حملاً في بطن أمه، وذلك بعد شهرين، فعلى رواية أنه تزوج عبد الله بآمنة في رجب وولد صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول، فتكون وفاة عبد الله في أوائل رمضان، وخلف عبد الله جاريته أم أيمن وخمسة جمال، وقطعة غنم، فورث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد نقل الإمام أبو حيان في تفسيره: أن جعفر الصادق قيل له: لم يتم صلى الله عليه وسلم من أبويه؟ قال: لئلا يكون عليه حق المخلوقين، وقال ابن العماد في "كشف الأسرار" إنما رباه يتيماً لينظر صلى الله عليه وسلم إذا وصل إلى مدارج عزه وإلى أوائل أمره فيعلم أن العزيز من أعزه الله، وأن قوته ليست من الآباء والأمهات، ولا المال، بل قوته من الله تعالى وأيضاً ليرحم الأيتام والفقراء.
واختلف في مدة حمله صلى الله عليه وسلم فقيل: تسعة أشهر وقيل عشرة أشهر، وقيل: سبعة أشهر، وقيل: ثمانية أشهر، وقيل: ستة أشهر وذكر في "السيرة الحلبية" كان حمله ووضعه في ساعة واحدة، وقيل في ثلاث ساعات، كما قيل في ولادة عيسى عليه السلام وهذا غير صحيح، واختلف في شهر ولادته صلى الله عليه وسلم فالجمهور على أنه ولد في شهر ربيع الأول، قال ابن كثير والحافظ ابن حجر، وهذا هو الصحيح، وأنه ولد يوم الاثنين لاثنتي عشر ليلة من ربيع الأول وبه جزم ابن إسحاق وتبعه ابن سيد الناس، ورواه ابن أبي شيبة عن جابر وابن عباس رضي الله عنهما هكذا ذكره في "التبيين في أنساب القرشيين" وقيل: ولد في ثاني ربيع الأول، وقيل: في ثامنه، وبهذا قال ابن حجر: أنه مقتضى أكثر الأخبار: وقيل: في عاشره، رواه الدمياطي عن جعفر الصادق وصححه، وقيل: لسبع عشرة منه، وهذا الذي رواه ابن أبي شيبة وهو حديث معلول، وقيل: لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول، وقيل في صفر، وقيل في ربيع الآخر، وقيل في رجب، وقيل في رمضان، وقيل في يوم عاشوراء كعيسى عليه السلام وقيل: لخمس بقين من محرم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه ولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين من ربيع الأول، وأنزلت عليه النبوة يوم الاثنين من ربيع الأول، وهاجر يوم الاثنين من ربيع الأول، وأنزلت عليه سورة البقرة يوم الاثنين من ربيع الأول، وتوفي يوم الاثنين من ربيع الأول. وقال بعضهم: هذا غريب جداً، وقيل: إنه صلى الله عليه وسلم ولد ليلاً، ويؤيده ما رواه عثمان بن عفان بن أبي العاصي عن أمه أنها شهدت ولادة النبي، صلى الله عليه وسلم ليلاً، قالت: فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نورا أو أني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى أني لأقول علي، وقال ابن دحية: هذا حديث مقطوع. وفي الحديث الصحيح أنه سئل صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين فقال:"فيه ولدت". وهذا ما رواه ابن عباس وقال أصحاب الإشارة: قوله تعالى: (والضحى والليل إذا سجى) إشارة إلى ليلة مولده صلى الله عليه وسلم أو ليلة معراجه وروى الحافظ ابن عساكر أن ولادته كانت حين طلوع الفجر، ويؤيد ذلك قول عبد المطلب: ولد لي الليلة مع الصبح مولود. وعن سعيد ابن المسيب أنه ولد صلى الله عليه وسلم عند إبهار النهار، وذلك في وسطه، وقال ابن سعيد رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأت أمي حين وضعت سطع منها نور أضاءت له قصور بصرى"، وكان مولده، صلى الله عليه وسلم في فصل الربيع في شهر نيسان لعشرين ليلة خلت منه، وقيل: في برج الحمل: وفي بعض الأقاويل: