زعمَ المقيمُ بكوثلينَ بأنّهُ ... مِنْ آلِ هاشم وبنِ عبد منافِ
فأجبته مذُ صرتَ منْ أبنائهمْ ... صارت قيودهمْ منَ الصفصافِ
وله عبارات يزعم أنّها مثل القرآن، فمنها: [والنّجم] السّيّار والفلك الدّوّار، والّليل والنّهار، إنّ الكافر لفي أخطار، امض على سننك: واقفُ على أثر من قبلك من المرسلين، فإنّ الله قامع بك زيغ من ألحد في الدين، وضلّ عن سبيله. وسئل مرة عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال: أخبر بنبوتي بقوله: لا نبي بعدي، وأنا اسمي في السماء لا. ثم تاب المتنبي وأسلم ولبعضهم فيه:
يا نسمة الصبح هبّي ... من قفا المتنبيّ
ويا قفاهُ تدانى ... حتى تكونَ بقربي
ويا يدايا اصفعيه ... ولا ترفقا بضربِ
إن كنتَ أنتَ نبيا ... لا شكَّ أن القردَ ربي
وممّن أظهر الزندقة فغضب الله عليه، ومحقه أحمد بن عبد الله الضرير أبو العلاء المعرّي الشاعر المشهور، فإنه كان يُظهر الزندقة، وعارض القرآن العظيم بكلام ذميم، وممّا ظهر من كلامه السخيف قوله: أقسم بخالق الخيل، والريح الهابّة بالليل، بين الشّرط ومطالع سُهيل، إن الكافر لطويل الويل، وإن العمر لمكفوف الزّيل، اتّق مدراج السيل، وطالع التوبة من قبيل تنجُ، وما إخالك بناج ومِنْ شعره وجرأته قوله:
إذا ما ذكرنا آدمَ وفعالهِ ... وتزويجهُ بنتيهِ ابنيه ِبالخنا
علمنا بأنَّ الخلقَ منْ نسلِ فاجر ... وأنَّ جميعَ الناسِ منْ عنصرِ الزّنا
قبّحه الله ما أجرأه على الفكر، وقد ردّ أهل ملّة الإسلام، وأثبتوا أنّه هو مقرٌّ بالزنا، فإقراره عليه هكذا ذكره السّيوطي، وقال في "تاريخ ابن الوردي": كان علاّمة عصره في النحو واللغة، وله تصانيف، وله من النظم "لزوم ما لا يلزم" في خمس مجلدات و"سقط الزّند" ولا يبعد أنّه تاب وأناب.
وممّن أظهر الكفر والخلاف، وتخلّق بالكفر وقلّة الإنصاف كرمنيّة إمام القرامطة، ظهر بسواد الكوفة، وتبعه خلق كثير، وأظهر لهم كتابا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، يقول الفرج بن عثمان من قرية نصرانة أنّه داعية المسيح، وهو عيسى، وهو الكلمة، وهو المهدي، وهو أحمد بن محمد بن الحنفيّة، وهو جبرائيل، وأنا المسيح تصوّر في جسم إنسان وقال: إنك الدّاعية، وإنك النّاقة، وإنك الدّابة، وإنك يحيى بن زكريا، وإنك روح القدس وعرفة، وإن الصلاة أربع ركعات، ركعتان قبل الشمس، وركعتان بعد الغروب، وإن الأذان، الله أكبر ثلاث مرات، أشهد أن لا إله إلا الله مرّتان، أشهد أن آدم رسول الله، أشهد أن نوحا رسول الله، أشهد أن إبراهيم رسول الله، أشهد أن عيسى رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن أحمد بن محمد بن الحنفيّة رسول الله، انتهى. ويقول الخبيث: القِبلة بيت المقدس.
وممّن استحقّ اللعان، وطرد عن باب الرحمن: ابن يحيى بن إسحاق المعروف [بابن الرّواندي] . مات إلى لعنة الله سنة ثلاث وتسعين ومائتين، وكان له في الكفر والإلحاد، ومناقضة الشريعة الغرّاء مصنفات منها "قضيب الذهب" و"والدّامع" و"الفريد" و"الزّمرّد". وقد أجابه العلماء عن معارضته السمجة والرّكيكة، وكان الخبيث وضع كتابا لليهود، وقال لهم: إن موسى عليه السلام قال: لا نبيّ بعدي. وقال العلاّمة ابن الجوزي: إن الله يُعذّب هذا الزنديق أشدّ كم إبليس [الذي] خاطب الله تعالى، بالأدب فقال: " ... فبعزّتك ... " وهذا الملعون أساء الأدب مع الله، وتكلم بكل كفر، ومن العجيب أنّ العوام يضحكون لأقواله، ويغفلون عن كونه سبّ النبيّ صلى الله عليه وسلم في مصنفاته. شعر:
ألا ليتني مكِّنتُ منهُ ... فكنتُ فعلتُ فيهِ ما أشاءُ
فإنَّ أبي ووالدتي وعرضي ... لعرض محمدٍ منهُ وقاءُ
وممّن بدمشق ظهر وادّعى النبوة وكفر عيسى الدمشقي، ادّعى أنه نبي الله عيسى بن مريم، عليه السلام وأضلّ طائفة، وكان يزعم أنّه أُنزلت عليه هذه السورة، وهي معارضة ل"سورة الكوثر" قوله: لعنه الله: إنّا أعطيناك الجماهر، فصلّ لربِّك، ولا تجاهر، ولا تطع كلّ ساحر. ولمّا شاع ذكره قبض عليه صاحب دمشق وصلب على عود، فوقف عنده الظّرفاء وقال له مخاطبا: يا لعين، إنّا أعطيناك العود، فصلّ لربّك قعود، وأنا ضامن لك أن لا تعود، انتهى. وفي ذكر هؤلاء الزّنادق كفاية.