للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَاحِدٍ اسْمًا وَلْنُسَمِّ الْأَوَّلَ حَدًّا لَفْظِيًّا إذْ السَّائِلُ لَا يَطْلُبُ بِهِ إلَّا شَرْحَ اللَّفْظِ، وَلْنُسَمِّ الثَّانِي حَدًّا رَسْمِيًّا إذْ هُوَ مَطْلَبٌ مُرْتَسِمٌ بِالْعِلْمِ غَيْرُ مُتَشَوِّفٍ إلَى دَرَكِ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ، وَلِنُسَمِّ الثَّالِثَ حَدًّا حَقِيقِيًّا إذْ مَطْلَبُ الطَّالِبِ مِنْهُ دَرَكُ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ، وَهَذَا الثَّالِثُ شَرْطُهُ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى جَمِيعِ ذَاتِيَّاتِ الشَّيْءِ، فَإِنَّهُ لَوْ سُئِلَ عَنْ حَدِّ الْحَيَوَانِ فَقِيلَ جِسْمٌ حَسَّاسٌ فَقَدْ جِيءَ بِوَصْفٍ ذَاتِيٍّ، وَهُوَ كَافٍ فِي الْجَمْعِ وَالْمَنْعِ وَلَكِنَّهُ نَاقِصٌ بَلْ حَقُّهُ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ الْمُتَحَرِّكُ بِالْإِرَادَةِ، فَإِنَّ كُنْهَ حَقِيقَةِ الْحَيَوَانِ يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ بِمَجْمُوعِ أَمْرَيْنِ، فَأَمَّا الْمُرْتَسِمُ الطَّالِبُ لِلتَّمْيِيزِ فَيَكْتَفِي بِالْحَسَّاسِ وَإِنْ لَمْ يُقَلْ إنَّهُ جِسْمٌ أَيْضًا.

الْمَطْلَبُ الثَّالِثُ: مَا يُطْلَبُ بِصِيغَةِ " لَمْ ". وَهُوَ سُؤَالٌ عَنْ الْعِلَّةِ وَجَوَابُهُ بِالْبُرْهَانِ عَلَى مَا سَيَأْتِي حَقِيقَتُهُ

الْمَطْلَبُ الرَّابِعُ: مَا يُطْلَبُ بِصِيغَةِ " أَيُّ ". وَهُوَ الَّذِي يُطْلَبُ بِهِ تَمْيِيزُ مَا عُرِفَ جُمْلَتُهُ عَمَّا اخْتَلَطَ بِهِ، كَمَا إذَا قِيلَ: مَا الشَّجَرُ؟ فَقِيلَ: إنَّهُ جِسْمٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: أَيُّ جِسْمٍ هُوَ؟ فَيَقُولُ: نَامٍ. وَأَمَّا مَطْلَبُ (كَيْفَ) وَ (أَيْنَ) وَ (مَتَى) وَسَائِرُ صِيَغِ السُّؤَالِ فَدَاخِلٌ فِي مَطْلَبِ " هَلْ " وَالْمَطْلُوبُ بِهِ صِفَةُ الْوُجُودِ.

الْقَانُونُ الثَّانِي: أَنَّ الْحَادَّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِالْفَرْقِ بَيْنَ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَاللَّازِمَةِ وَالْعَرَضِيَّةِ، وَذَلِكَ غَامِضٌ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ فَنَقُولُ: الْمَعْنَى إذَا نُسِبَ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِهِ وُجِدَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ، إمَّا ذَاتِيًّا لَهُ وَيُسَمَّى صِفَةَ نَفْسٍ، وَإِمَّا لَازِمًا وَيُسَمَّى تَابِعًا، وَإِمَّا عَارِضًا لَا يَبْعُدُ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهُ فِي الْوُجُودِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إتْقَانِ هَذِهِ النِّسْبَةِ فَإِنَّهَا نَافِعَةٌ فِي الْحَدِّ وَالْبُرْهَانِ جَمِيعًا.

أَمَّا الذَّاتِيُّ أَعْنِي بِهِ كُلَّ دَاخِلٍ فِي مَاهِيَّةِ الشَّيْءِ وَحَقِيقَتِهِ دُخُولًا لَا يُتَصَوَّرُ فَهْمُ الْمَعْنَى دُونَ فَهْمِهِ، وَذَلِكَ كَاللَّوْنِيَّةِ لِلسَّوَادِ وَالْجِسْمِيَّةِ لِلْفَرَسِ وَالشَّجَرِ فَإِنَّ مَنْ فَهِمَ الشَّجَرَ فَقَدْ فَهِمَ جِسْمًا مَخْصُوصًا فَتَكُونُ الْجِسْمِيَّةُ دَاخِلَةً فِي ذَاتِ الشَّجَرِيَّةِ دُخُولًا بِهِ قِوَامُهَا فِي الْوُجُودِ وَالْعَقْلِ لَوْ قُدِّرَ عَدَمُهَا لَبَطَلَ وُجُودُ الشَّجَرِيَّةِ، وَكَذَا الْفَرَسُ، وَلَوْ قُدِّرَ خُرُوجُهَا عَنْ الذِّهْنِ لَبَطَلَ فَهْمُ الشَّجَرِ وَالْفَرَسِ مِنْ الذِّهْنِ وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى فَلَا بُدَّ مِنْ إدْرَاجِهِ فِي حَدِّ الشَّيْءِ، فَمَنْ يَحُدُّ النَّبَاتَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ: " جِسْمٌ نَامٍ " لَا مَحَالَةَ.

وَأَمَّا اللَّازِمُ فَمَا لَا يُفَارِقُ الذَّاتَ أَلْبَتَّةَ وَلَكِنَّ فَهْمَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَاهِيَّةِ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، كَوُقُوعِ الظِّلِّ لِشَخْصِ الْفَرَسِ وَالنَّبَاتِ وَالشَّجَرِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَازِمٌ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُفَارِقَ وُجُودَهُ عِنْدَ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْ مَجَارِي الْعَادَاتِ بِاللُّزُومِ وَيَعْتَقِدُهُ وَلَكِنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الذَّاتِ وَلَوَازِمِهِ وَلَيْسَ بِذَاتِيٍّ لَهُ، وَأَعْنِي بِهِ أَنَّ فَهْمَ حَقِيقَتِهِ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى فَهْمِ ذَلِكَ لَهُ إذْ الْغَافِلُ عَنْ وُقُوعِ الظِّلِّ يَفْهَمُ الْفَرَسَ وَالنَّبَاتَ بَلْ يَفْهَمُ الْجِسْمَ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كَوْنُ الْأَرْضِ مَخْلُوقَةً وَصْفٌ لَازِمٌ لِلْأَرْضِ لَا يُتَصَوَّرُ مُفَارَقَتُهُ لَهُ، وَلَكِنْ فَهْمُ الْأَرْضِ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى فَهْمِ كَوْنِهَا مَخْلُوقَةً فَقَدْ يُدْرِكُ حَقِيقَةَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ بَعْدُ أَنَّهُمَا مَخْلُوقَتَانِ فَإِنَّا نَعْلَمُ أَوَّلًا حَقِيقَةَ الْجِسْمِ ثُمَّ نَطْلُبُ بِالْبُرْهَانِ كَوْنَهُ مَخْلُوقًا، وَلَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْلَمَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاءَ مَا لَمْ نَعْلَمْ الْجِسْمَ.

وَأَمَّا الْعَارِضُ فَأَعْنِي بِهِ مَا لَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يُلَازِمَ بَلْ يُتَصَوَّرُ مُفَارَقَتُهُ إمَّا

<<  <   >  >>