للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الِاعْتِبَارِ، وَإِنْ كَانَ لِلْعِلَّةِ دَلِيلٌ آخَرُ سِوَى التَّيَمُّمِ فَلَا يَكُونُ التَّيَمُّمُ وَحْدَهُ دَلِيلًا لِعِلَّةِ الْوُضُوءِ السَّابِقِ.

الثَّالِثُ: أَنْ لَا يُفَارِقَ حُكْمُ الْفَرْعِ حُكْمَ الْأَصْلِ فِي جِنْسِيَّةٍ وَلَا فِي زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ عِبَارَةٌ عَنْ تَعْدِيَةِ حُكْمٍ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ فَكَيْفَ يَخْتَلِفُ بِالتَّعْدِيَةِ؟ وَلَيْسَ مِنْ شَكْلِ الْقِيَاسِ قَوْلُ الْقَائِلِ بَلَغَ رَأْسُ الْمَالِ أَقْصَى مَرَاتِبِ الْأَعْيَانِ فَلْيَبْلُغْ الْمُسْلِمُ فِيهِ أَقْصَى مَرَاتِبِ الدُّيُونِ قِيَاسًا لِأَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ هَذَا إلْحَاقُ فَرْعٍ بِأَصْلٍ فِي إثْبَاتِ خِلَافِ حُكْمِهِ.

الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ مِمَّا ثَبَتَتْ جُمْلَتُهُ بِالنَّصِّ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ تَفْصِيلُهُ، وَهَذَا ذَكَرَهُ أَبُو هَاشِمٍ وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِمِيرَاثِ الْجَدِّ جُمْلَةً لَمَا نَظَرَتْ الصَّحَابَةُ فِي تَوْرِيثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ.

وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَاسُوا قَوْلَهُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ عَلَى الظِّهَارِ وَالطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ وَرَدَ فِيهِ حُكْمٌ لَا عَلَى الْعُمُومِ وَلَا عَلَى الْخُصُوصِ، بَلْ الْحُكْمُ إذَا ثَبَتَ فِي الْأَصْلِ بِعِلَّةٍ تَعَدَّى بِتَعَدِّي الْعِلَّةِ كَيْفَمَا كَانَ.

الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْفَرْعُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُطْلَبُ الْحُكْمُ بِقِيَاسِ أَصْلٍ آخَرَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ قِسْتُمْ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فِي الرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ وَالظِّهَارُ أَيْضًا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَاسْمُ الرَّقَبَةِ يَشْمَل الْكَافِرَةَ؟ قُلْنَا: اسْمُ الرَّقَبَةِ لَيْسَ نَصًّا فِي إجْزَاءِ الْكَافِرَةِ لَكِنَّهُ ظَاهِرٌ فِيهِ كَمَا فِي الْمَعِيبَةِ، وَعِلَّةُ اشْتِرَاطِ الْإِيمَانِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ عَرَفْنَا تَخْصِيصَ عُمُومِ آيَةِ الظِّهَارِ فَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ إجْزَاءُ الْكَافِرَةِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فَطَلَبْنَا حُكْمَهُ بِالْقِيَاسِ لِذَلِكَ

[الرُّكْنُ الثَّالِثُ لِلْقِيَاسِ]

الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْحُكْمُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَمْ يُتَعَبَّدْ فِيهِ بِالْعِلْمِ، وَبَيَانُهُ بِمَسَائِلَ.

مَسْأَلَةٌ: الْحُكْمُ الْعَقْلِيُّ وَالِاسْمُ اللُّغَوِيُّ لَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ،

فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ اسْمِ الْخَمْرِ لِلنَّبِيذِ وَالزِّنَا لِلِّوَاطِ وَالسَّرِقَةِ لِلنَّبْشِ وَالْخَلِيطِ لِلْجَارِ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْخَمْرَ إذَا حَمُضَتْ خَلًّا لِحُمُوضَتِهِ وَلَا تُجْرِيهِ فِي كُلِّ حَامِضٍ، وَتُسَمِّي الْفَرَسَ أَدْهَمَ لِسَوَادِهِ وَلَا تُجْرِيهِ فِي كُلِّ أَسْوَدَ وَتُسَمِّي الْقَطْعَ فِي الْأَنْفِ جَدْعًا وَلَا تَطْرُدُهُ فِي غَيْرِهِ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ قَدَّمْنَاهَا فَلَا نُعِيدُهَا وَكَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ كَوْنُ الْمُكْرَهِ قَاتِلًا، وَالشَّاهِدُ قَاتِلًا، وَالشَّرِيكُ قَاتِلًا بِالْقِيَاسِ، بَلْ يَتَعَرَّفُ حَدَّ الْقَتْلِ بِالْبَحْثِ الْعَقْلِيِّ.

وَكَذَلِكَ غَاصِبُ الْمَاشِيَةِ هَلْ هُوَ غَاصِبٌ لِلنِّتَاجِ؟ وَالْمُسْتَوْلِي عَلَى الْعَقَارِ هَلْ هُوَ غَاصِبٌ لِلْغَلَّةِ؟ فَهَذِهِ مَبَاحِثُ عَقْلِيَّةٌ تُعْرَفُ بِصِنَاعَةِ الْجَدَلِ.

نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ أَلْحَقَ الشَّرْعُ الشَّرِيكَ بِالْمُنْفَرِدِ بِالْقَتْلِ حُكْمًا فَنَقِيسُ عَلَيْهِ الشَّرِيكَ فِي الْقَطْعِ، وَأَلْحَقَ الْمُكْرِهَ بِالْقَاتِلِ فَنَقِيسُ عَلَيْهِ الشَّاهِدَ إذَا رَجَعَ، وَذَلِكَ إلْحَاقُ مَنْ لَيْسَ قَاتِلًا بِالْقَاتِلِ فِي الْحُكْمِ.

مَسْأَلَةٌ مَا تُعُبِّدَ فِيهِ بِالْعِلْمِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِالْقِيَاسِ،

كَمَنْ يُرِيدُ إثْبَاتَ خَبَرِ الْوَاحِدِ

<<  <   >  >>