للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْمُسَمَّى بِهَا، فَإِنْ تَقَابَلَا وَجَبَ تَقْدِيمُ أَقْوَى الْعُمُومَيْنِ.

، وَكَذَلِكَ أَقْوَى الْقِيَاسَيْنِ إذَا تَقَابَلَا قَدَّمْنَا أَجْلَاهُمَا، وَأَقْوَاهُمَا، فَكَذَلِكَ الْعُمُومُ، وَالْقِيَاسُ إذَا تَقَابَلَا فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسٌ قَوِيٌّ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ مِنْ عُمُومٍ ضَعِيفٍ أَوْ عُمُومٌ قَوِيٌّ أَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ مِنْ قِيَاسٍ ضَعِيفٍ فَنُقَدِّمُ الْأَقْوَى، وَإِنْ تَعَادَلَا فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي إذْ لَيْسَ كَوْنُ هَذَا عُمُومًا أَوْ كَوْنُ ذَلِكَ قِيَاسًا مِمَّا يُوجِبُ تَرْجِيحًا لِعَيْنِهِمَا بَلْ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِمَا فَمَذْهَبُ الْقَاضِي صَحِيحٌ بِهَذَا الشَّرْطِ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي فِي تَخْصِيصٍ بِقِيَاسٍ مُسْتَنْبَطٍ مِنْ الْكِتَابِ إذَا خُصِّصَ بِهِ عُمُومُ الْكِتَابِ، فَهَلْ يَجْرِي فِي قِيَاسٍ مُسْتَنْبَطٍ مِنْ الْأَخْبَارِ؟ قُلْنَا: نِسْبَةُ قِيَاسِ الْكِتَابِ إلَى عُمُومِ الْكِتَابِ كَنِسْبَةِ قِيَاسِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ إلَى عُمُومِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ، وَكَنِسْبَةِ قِيَاسِ خَبَرِ الْوَاحِدِ إلَى عُمُومِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي الْكُلِّ، وَكَذَا قِيَاسُ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عُمُومِ الْكِتَابِ، وَقِيَاسُ نَصِّ الْكِتَابِ بِالْإِضَافَةِ إلَى عُمُومِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ؛ أَمَّا قِيَاسُ خَبَرِ الْوَاحِدِ إذَا عَارَضَ عُمُومَ الْقُرْآنِ فَلَا يَخْفَى تَرْجِيحُ الْكِتَابِ عِنْدَ مَنْ لَا يُقَدِّمُ خَبَرَ الْوَاحِدِ عَلَى عُمُومِ الْقُرْآنِ، أَمَّا مَنْ يُقَدِّمُ الْخَبَرَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَقَّفَ فِي قِيَاسِ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ ازْدَادَ ضَعْفًا، وَبُعْدًا، وَمَا فِي مَعْنَى الْأَصْلِ، وَالْمَعْلُومُ بِالنَّظَرِ الْجَلِيِّ قَرِيبٌ مِنْ الْأَصْلِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى فِي النَّفْسِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مِنْ ظَنِّ الْعُمُومِ فَالنَّظَرُ فِيهِ إلَى الْمُجْتَهِدِ.

فَإِنْ قِيلَ: الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ جِنْسِ الْخِلَافِ فِي الْقَطْعِيَّاتِ أَوْ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ؟ قُلْنَا: يَدُلُّ سِيَاقُ كَلَامِ الْقَاضِي عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ فِي تَقْدِيمِ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى عُمُومِ الْكِتَابِ، وَفِي تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَى الْعُمُومِ مِمَّا يَجِبُ الْقَطْعُ بِخَطَإِ الْمُخَالِفِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَسَائِلِ الْأُصُولِ، وَعِنْدِي أَنَّ إلْحَاقَ هَذَا بِالْمُجْتَهَدَات أَوْلَى فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ فِيهِ مُتَقَارِبَةٌ غَيْرُ بَالِغَةٍ مَبْلَغَ الْقَطْعِ.

[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي تَعَارُضِ الْعُمُومَيْنِ وَوَقْتِ جَوَازِ الْحُكْمِ بِالْعُمُومِ وَفِيهِ فُصُولٌ]

[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي التَّعَارُضِ]

الْبَابُ الرَّابِعُ: فِي تَعَارُضِ الْعُمُومَيْنِ، وَوَقْتِ جَوَازِ الْحُكْمِ بِالْعُمُومِ، وَفِيهِ فُصُولٌ:

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي التَّعَارُضِ

اعْلَمْ أَنَّ الْمُهِمَّ الْأَوَّلَ مَعْرِفَةُ مَحَلِّ التَّعَارُضِ، فَنَقُولُ كُلُّ مَا دَلَّ الْعَقْلُ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَلَيْسَ لِلتَّعَارُضِ فِيهِ مَجَالٌ إذْ الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ يَسْتَحِيلُ نَسْخُهَا، وَتَكَاذُبُهَا، فَإِنْ وَرَدَ دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْعَقْلِ فَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ مُتَوَاتِرًا فَيُعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا، فَيَكُونَ مُؤَوَّلًا، وَلَا يَكُونَ مُتَعَارِضًا.

وَأَمَّا نَصٌّ مُتَوَاتِرٌ لَا يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ، وَالتَّأْوِيلَ، وَهُوَ عَلَى خِلَافِ دَلِيلِ الْعَقْلِ فَذَلِكَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ لَا يَقْبَلُ النَّسْخَ، وَالْبُطْلَانَ، مِثَالُ ذَلِكَ الْمُؤَوَّلُ فِي الْعَقْلِيَّاتِ قَوْله تَعَالَى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٠٢] إذْ خَرَجَ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ ذَاتُ الْقَدِيمِ وَصِفَاتُهُ، وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٩] دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى عُمُومِهِ، وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ} [يونس: ١٨] إذْ مَعْنَاهُ مَا لَا يَعْلَمُ لَهُ أَصْلًا أَيْ: يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: ٣١] إذْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْمُجَاهَدَةَ كَائِنَةً، وَحَاصِلَةً، وَفِي الْأَزَلِ لَا يُوصَفُ عِلْمُهُ بِتَعَلُّقِهِ بِحُصُولِ الْمُجَاهَدَةِ قَبْلَ حُصُولِهَا.

وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَتَخْلُقُونَ إفْكًا} [العنكبوت: ١٧] لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٠٢] ؛ لِأَنَّ الْمَعْنِيَّ بِهِ الْكَذِبُ دُونَ الْإِيجَادِ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} [المائدة: ١١٠] ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ تُقَدِّرُ

<<  <   >  >>