للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالسَّرِقَةِ أَوْ وَصْفًا مُجَرَّدًا أَوْ مُرَكَّبًا مِنْ أَوْصَافٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا وَغَيْرَ مُنَاسِبٍ أَوْ مُتَضَمِّنًا لِمَصْلَحَةٍ مُنَاسِبَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا تَكُونَ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةً فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ كَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأَمَةِ بِعِلَّةِ رِقِّ الْوَلَدِ، وَتُفَارِقُ الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَعَانِي الْعِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ " التَّهْذِيب " وَلَمْ نَرَ فِيهِ فَائِدَةً؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ مِمَّا لَا نَرَاهَا أَصْلًا فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ الْعِلْمُ عِلَّةُ كَوْنِ الْعَالِمَ عَالِمًا لَا كَوْنِ الذَّات عَالِمَةً وَلَا أَنَّ الْعَالِمِيَّةَ وَرَاءَ قِيَامِ الْعِلْمِ بِالذَّاتِ فَلَا وَجْهَ لِهَذَا عِنْدَنَا فِي الْمَعْقُولَاتِ بَلْ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ عَالِمًا إلَّا قِيَامُ الْعِلْمِ بِذَاتِهِ، وَأَمَّا الْفِقْهِيَّاتُ فَمَعْنَى الْعِلَّةِ فِيهَا الْعَلَامَةُ، وَسَائِرُ الْأَقْسَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا يَجُوزُ أَنْ يَنْصِبَهَا الشَّارِعُ عَلَامَةً فَاَلَّذِي يَتَعَرَّضُ لَهُ فِي هَذَا الرُّكْنِ كَيْفِيَّةُ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الْعِلَّةِ: وَيَتَهَذَّبُ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ:

إحْدَاهَا: تَخَلُّفُ الْحُكْم عَنْ الْعِلَّةِ مَعَ وُجُودِهَا وَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِالنَّقْضِ وَالتَّخْصِيصِ.

وَالثَّانِيَةُ: وُجُودُ الْحُكْمِ دُونَ الْعِلَّةِ، وَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِالْعَكْسِ وَتَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ.

وَالثَّالِثَةُ: أَنَّ الْحُكْمَ فِي مَحَلِّ النَّصِّ يُضَافُ إلَى النَّصِّ أَوْ إلَى الْعِلَّةِ، وَعَنْهُ تَتَشَعَّبُ.

الرَّابِعَةُ وَهِيَ الْعِلَّةُ الْقَاصِرَةُ.

[مَسْأَلَةٌ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ]

مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفُوا فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ

وَمَعْنَاهُ أَنَّ فَقْدَ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ يُبَيِّنُ فَسَادَ الْعِلَّةِ وَانْتِقَاضَهَا أَوْ يُبْقِيهَا عِلَّةً، وَلَكِنْ يُخَصِّصُهَا بِمَا وَرَاءَ مَوْقِعِهَا فَقَالَ قَوْمٌ: إنَّهُ يَنْقُضُ الْعِلَّةَ وَيُفْسِدُهَا وَيُبَيِّنُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عِلَّةً إذْ لَوْ كَانَتْ لَاطَّرَدَتْ وَوُجِدَ الْحُكْمُ حَيْثُ وُجِدَتْ وَقَالَ قَوْمٌ: تَبْقَى عِلَّةً فِيمَا وَرَاءَ النَّقْضِ وَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْهَا يُخَصِّصُهَا كَتَخَلُّفِ حُكْمِ الْعُمُومِ فَإِنَّهُ يُخَصِّصُ الْعُمُومَ بِمَا وَرَاءَهُ.

وَقَالَ قَوْمٌ: إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مُسْتَنْبَطَةً مَظْنُونَةً انْتَقَضَتْ وَفَسَدَتْ وَإِنْ كَانَتْ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا تَخَصَّصَتْ وَلَمْ تُنْتَقَضْ وَسَبِيلُ كَشْفِ الْغِطَاءِ عَنْ الْحَقِّ أَنْ نَقُولَ: تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ يَعْرِضُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنْ يَعْرِضَ فِي صَوْبِ جَرَيَانِ الْعِلَّةِ مَا يَمْنَعُ اطِّرَادَهَا وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى نَقْضًا، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَرَدَ مُسْتَثْنًى عَنْ الْقِيَاسِ، وَإِلَى مَا لَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْهُ فَمَا ظَهَرَ أَنَّهُ وَرَدَ مُسْتَثْنًى عَنْ الْقِيَاسِ مَعَ اسْتِبْقَاءِ الْقِيَاسِ فَلَا يَرِدُ نَقْضًا عَلَى الْقِيَاسِ وَلَا يُفْسِدُ الْعِلَّةَ بَلْ يُخَصِّصُهَا بِمَا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى فَتَكُونُ عِلَّةً فِي غَيْرِ مَحَلِّ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرِدَ ذَلِكَ عَلَى عِلَّةٍ مَقْطُوعَةٍ أَوْ مَظْنُونَةٍ.

مِثَالُ الْوَارِدِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمَقْطُوعَةِ: إيجَابُ صَاعٍ مِنْ التَّمْرِ فِي لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ فَإِنَّ عِلَّةَ إيجَابِ الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ الْمُتْلَفَةِ تُمَاثِلُ الْأَجْزَاءِ

وَالشَّرْعُ لَمْ يَنْقُضْ هَذِهِ الْعِلَّةَ إذْ عَلَيْهَا تَعْوِيلُنَا فِي الضَّمَانَاتِ لَكِنْ اسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةَ فَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لَا يُبَيِّنُ لِلْمُجْتَهِدِ فَسَادَ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُكَلَّفَ الْمُنَاظِرُ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ حَتَّى يَقُولَ فِي عِلَّتِهِ تَمَاثُلُ أَجْزَاءٍ فِي غَيْرِ الْمُصَرَّاةِ فَيَقْتَضِي إيجَابَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَكْلِيفٌ قَبِيحٌ وَكَذَلِكَ صُدُورُ الْجِنَايَةِ مِنْ الشَّخْصِ عِلَّةُ وُجُوبِ الْغَرَامَةِ عَلَيْهِ فَوُرُودُ الضَّرْبِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَنْقُضْ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَلَمْ يُفْسِدْ هَذَا الْقِيَاسَ لَكِنْ اُسْتُثْنِيَ هَذِهِ الصُّورَةُ فَتُخُصِّصَتْ الْعِلَّةُ بِمَا وَرَاءَهَا

وَمِثَالُ مَا يَرِدُ عَلَى الْعِلَّةِ الْمَظْنُونَةِ مَسْأَلَةُ الْعَرَايَا، فَإِنَّهَا لَا تَنْقُضُ التَّعْلِيلَ بِالطَّعْمِ إذْ فُهِمَ أَنَّ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءٌ لِرُخْصَةِ الْحَاجَةِ وَلَمْ يَرِدْ وُرُودَ النَّسْخِ لِلرِّبَا وَدَلِيلُ كَوْنِهِ مُسْتَثْنًى أَنَّهُ يَرِدُ عَلَى عِلَّةِ الْكَيْلِ وَعَلَى كُلِّ عِلَّةٍ وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا عِبَادَةٌ مَفْرُوضَةٌ فَتَفْتَقِرُ إلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ لَمْ تُنْتَقَضْ بِالْحَجِّ، فَإِنَّهُ وَرَدَ عَلَى

<<  <   >  >>