بِبَعْضِ الْمَوَاضِعِ. وَهَذَا السُّؤَالُ يُسْتَمَدُّ مِنْ خَيَالِ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ.
[الْقِسْمُ الثَّالِثُ فِي إثْبَاتِ الْعِلَّةِ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَطُرُقِ الِاسْتِدْلَالِ وَهِيَ أَنْوَاعٌ]
[النَّوْعُ الْأَوَّلُ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ]
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: فِي إثْبَاتِ الْعِلَّةِ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَطُرُقِ الِاسْتِدْلَالِ وَهِيَ أَنْوَاعٌ
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ وَهُوَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا الْحُكْمُ مُعَلَّلٌ وَلَا عِلَّةَ لَهُ إلَّا كَذَا أَوْ كَذَا، وَقَدْ بَطَلَ أَحَدُهُمَا فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ، وَإِذَا اسْتَقَامَ السَّبْرُ كَذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُنَاسَبَةٍ بَلْ لَهُ أَنْ يَقُولَ حُرِّمَ الرِّبَا فِي الْبُرِّ وَلَا بُدَّ مِنْ عَلَامَةٍ تَضْبُطُ مَجْرَى الْحُكْمِ عَنْ مَوْقِعِهِ وَلَا عَلَامَةَ إلَّا الطَّعْمُ أَوْ الْقُوتُ أَوْ الْكَيْلُ وَقَدْ بَطَلَ الْقُوتُ وَالْكَيْلُ بِدَلِيلِ كَذَا، وَكَذَا فَثَبَتَ الطَّعْمُ لَكِنْ يَحْتَاجُ هَهُنَا إلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ:
أَحَدهَا: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَلَامَةٍ إذْ قَدْ يُقَالُ هُوَ مَعْلُومٌ بِاسْمِ الْبُرِّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى عَلَامَةٍ وَعِلَّةٍ فَنَقُولُ: لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ دَقِيقًا وَخُبْزًا وَسَوِيقًا نُفِيَ حُكْمُ الرِّبَا وَزَالَ اسْمُ الْبُرِّ فَدَلَّ أَنَّ مَنَاطَ الرِّبَا أَمْرٌ أَعَمُّ مِنْ اسْمِ الْبُرِّ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ سَبْرُهُ حَاصِرًا فَيَحْصُرُ جَمِيعَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً إمَّا بِأَنْ يُوَافِقَهُ الْخَصْمُ عَلَى أَنَّ الْمُمْكِنَاتِ مَا ذَكَرَهُ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ أَوْ لَا يُسَلِّمُ، فَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَعَلَيْهِ سَبْرٌ بِقَدْرِ إمْكَانِهِ حَتَّى يَعْجِزَ عَنْ إيرَادِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مُنَاظِرًا فَيَكْفِيه أَنْ يَقُولَ هَذَا مُنْتَهَى قُدْرَتِي فِي السَّبْرِ فَإِنْ شَارَكْتَنِي فِي الْجَهْلِ بِغَيْرِهِ لَزِمَك مَا لَزِمَنِي، وَإِنْ اطَّلَعْتَ عَلَى عِلَّةٍ أُخْرَى فَيَلْزَمُكَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا حَتَّى أَنْظُرَ فِي صِحَّتِهَا أَوْ فَسَادِهَا فَإِنْ قَالَ: لَا يَلْزَمُنِي وَلَا أُظْهِرُ الْعِلَّةَ، وَإِنْ كُنْتُ أَعْرِفُهَا فَهَذَا عِنَادٌ مُحَرَّمٌ وَصَاحِبُهُ إمَّا كَاذِبٌ وَإِمَّا فَاسِقٌ بِكِتْمَانِ حُكْمٍ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إظْهَارِهِ وَمِثْلُ هَذَا الْجَدَلِ حَرَامٌ، وَلَيْسَ مِنْ الدِّينِ ثُمَّ إفْسَادُ سَائِرِ الْعِلَلِ تَارَةً يَكُونُ بِبَيَانِ سُقُوطِ أَثَرِهَا فِي الْحُكْمِ بِأَنْ يَظْهَرَ بَقَاءُ الْحُكْمِ مَعَ انْتِفَائِهَا أَوْ بِانْتِقَاضِهَا بِأَنْ يَظْهَرَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِهَا.
[النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الِاسْتِنْبَاطِ إثْبَاتُ الْعِلَّةِ بِإِبْدَاءِ مُنَاسَبَتِهَا لِلْحُكْمِ]
ِ وَالِاكْتِفَاءُ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَةِ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَيَنْشَأُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُنَاسِبِ مَا هُوَ عَلَى مِنْهَاجِ الْمَصَالِحِ بِحَيْثُ إذَا أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَيْهِ انْتَظَمَ مِثَالُهُ قَوْلُنَا: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ؛ لِأَنَّهَا تُزِيلُ الْعَقْلَ الَّذِي هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لَا كَقَوْلِنَا: حُرِّمَتْ؛ لِأَنَّهَا تَقْذِفُ بِالزَّبَدِ؛ أَوْ لِأَنَّهَا تُحْفَظُ فِي الدَّنِّ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ وَقَدْ ذَكَرْنَا حَقِيقَةَ الْمُنَاسِبِ وَأَقْسَامَهُ وَمَرَاتِبَهُ فِي آخِرِ الْقُطْبِ الثَّانِي مِنْ بَابِ الِاسْتِحْسَانِ وَالِاسْتِصْلَاحِ فَلَا نُعِيدُهُ لَكِنَّا نَقُولُ: الْمُنَاسِبُ يَنْقَسِمُ إلَى مُؤَثِّرٍ وَمُلَائِمٍ وَغَرِيبٍ وَمِثَالُ الْمُؤَثِّرِ: التَّعْلِيلُ لِلْوِلَايَةِ بِالصِّغَرِ وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُؤَثِّرًا أَنَّهُ ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ فِي الْحُكْمِ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ النَّصِّ، وَإِذَا ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْمُنَاسَبَةِ بَلْ قَوْلُهُ: «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» لَمَّا دَلَّ عَلَى تَأْثِيرِ الْمَسِّ قِسْنَا عَلَيْهِ مَسَّ ذَكَرِ غَيْرِهِ.
أَمَّا الْمُلَائِمُ فَعِبَارَةٌ عَمَّا لَمْ يَظْهَرْ تَأْثِيرُ عَيْنِهِ عَيْنَ ذَلِكَ الْحُكْمِ كَمَا فِي الصِّغَرِ لَكِنْ ظَهَرَ تَأْثِيرُ جِنْسِهِ فِي جِنْسِ ذَلِكَ الْحُكْمِ مِثَالُهُ قَوْلُهُ: لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ دُونَ الصَّوْمِ لِمَا فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ مِنْ الْحَرَجِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا قَدْ ظَهَرَ تَأْثِيرُ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ لِجِنْسِ الْمَشَقَّةِ تَأْثِيرًا فِي التَّخْفِيفِ أَمَّا هَذِهِ الْمَشَقَّةُ نَفْسُهَا، وَهِيَ مَشَقَّةُ التَّكَرُّرِ فَلَمْ يَظْهَرْ تَأْثِيرُهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ نَعَمْ لَوْ كَانَ قَدْ وَرَدَ النَّصُّ بِسُقُوطِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْحَرَائِرِ الْحُيَّضِ وَقِسْنَا عَلَيْهِنَّ الْإِمَاءَ لَكَانَ ذَلِكَ تَعْلِيلًا بِمَا ظَهَرَ تَأْثِيرُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ لَكِنْ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ فَعَدَّيْنَاهُ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ وَمِثَالُهُ أَيْضًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute