للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَقْتَضِي دُخُولُهُ زَوَالَ الْحُكْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] .

الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ النَّاسِخُ مُتَرَاخِيًا، لَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] وقَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] .

وَلَيْسَ يُشْتَرَطُ فِيهِ تِسْعَةُ أُمُورٍ:

الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ رَافِعًا لِلْمِثْلِ بِالْمِثْلِ بَلْ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا فَقَطْ.

الثَّانِي: أَنْ لَا يُشْتَرَطَ وُرُودَ النَّسْخِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْمَنْسُوخِ بَلْ يَجُوزُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ.

الثَّالِثُ: أَنْ لَا يُشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْسُوخُ مِمَّا يَدْخُلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَالتَّخْصِيصُ بَلْ يَجُوزُ وُرُودُ النَّسْخِ عَلَى الْأَمْرِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.

الرَّابِعُ: أَنْ لَا يُشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ فَلَا تُشْرَطُ الْجِنْسِيَّةُ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَصِحُّ النَّسْخُ بِهِ.

الْخَامِسُ: أَنْ لَا يُشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَا نَصَّيْنِ قَاطِعَيْنِ إذْ يَجُوزُ نَسْخُ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَبِالْمُتَوَاتِرِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ.

السَّادِسُ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ مَنْقُولًا بِمِثْلِ لَفْظِ الْمَنْسُوخِ بَلْ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، فَإِنَّ التَّوَجُّهَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا بِلَفْظِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَنَاسِخُهُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْقُرْآنِ، وَكَذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ نَسْخُ الْحُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ بِاجْتِهَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيَاسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِلَفْظٍ ذِي صِيغَةٍ وَصُورَةٍ وَيَجِبُ نَقْلُهَا.

السَّابِعُ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ مُقَابِلًا لِلْمَنْسُوخِ حَتَّى لَا يُنْسَخَ الْأَمْرُ إلَّا بِالنَّهْيِ وَلَا النَّهْيُ إلَّا بِالْأَمْرِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ كِلَاهُمَا بِالْإِبَاحَةِ وَأَنْ يُنْسَخَ الْوَاجِبُ الْمُضَيَّقُ بِالْمُوَسَّعِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ رَافِعًا حُكْمًا مِنْ الْمَنْسُوخِ كَيْفَ كَانَ.

الثَّامِنُ: لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا ثَابِتَيْنِ بِالنَّصِّ بَلْ لَوْ كَانَ بِلَحْنِ الْقَوْلِ وَفَحْوَاهُ وَظَاهِرِهِ وَكَيْفَ كَانَ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيَّنَ أَنَّ آيَةَ وَصِيَّةِ الْأَقَارِبِ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ مُمْكِنٌ فَلَيْسَا مُتَنَافِيَيْنِ تَنَافِيًا قَاطِعًا.

التَّاسِعُ: لَا يُشْتَرَطُ نَسْخُ الْحُكْمِ بِبَدَلٍ أَوْ بِمَا هُوَ أَخَفُّ بَلْ يَجُوزُ بِالْمِثْلِ وَالْأَثْقَلِ وَبِغَيْرِ بَدَلٍ كَمَا سَبَقَ.

[مَسَائِلَ تَتَشَعَّبُ عَنْ النَّظَرِ فِي رُكْنَيْ الْمَنْسُوخِ وَالنَّاسِخِ]

[مَسْأَلَةٌ مَا مِنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ إلَّا وَهُوَ قَابِلٌ لِلنَّسْخِ]

ِ وَلْنَذْكُرْ الْآنَ مَسَائِلَ تَتَشَعَّبُ عَنْ النَّظَرِ فِي رُكْنَيْ الْمَنْسُوخِ وَالنَّاسِخِ، وَهِيَ مَسْأَلَتَانِ فِي الْمَنْسُوخِ وَأَرْبَعُ مَسَائِلَ فِي الْمَنْسُوخِ بِهِ.

مَسْأَلَةٌ: مَا مِنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ إلَّا وَهُوَ قَابِلٌ لِلنَّسْخِ

، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا مِنْ الْأَفْعَالِ مَا لَهَا صِفَاتٌ نَفْسِيَّةٌ تَقْتَضِي حُسْنَهَا وَقُبْحَهَا فَلَا يُمْكِنُ نَسْخُهَا. مِثْلَ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعَدْلِ وَشُكْرِ الْمُنْعِمِ فَلَا يَجُوزُ نَسْخُ وُجُوبِهِ، وَمِثْلَ الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ وَالْكَذِبِ فَلَا يَجُوزُ نَسْخُ تَحْرِيمِهِ. وَبَنَوْا هَذَا عَلَى تَحْسِينِ الْعَقْلِ وَتَقْبِيحِهِ وَعَلَى وُجُوبِ الْأَصْلَحِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَحَجَرُوا بِسَبَبِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَرُبَّمَا بَنَوْا هَذَا عَلَى صِحَّةِ إسْلَامِ الصَّبِيِّ وَأَنَّ وُجُوبَهُ بِالْعَقْلِ وَأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الصَّبِيِّ غَيْرُ مُمْكِنٍ. وَهَذِهِ أُصُولٌ أَبْطَلْنَاهَا وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَصْلُ التَّكْلِيفِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَ فِيهِ صَلَاحُ الْعِبَادِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، نَعَمْ بَعْدَ أَنْ كَلَّفَهُمْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْسَخَ جَمِيعَ التَّكَالِيفِ إذْ لَا يَعْرِفُ النَّسْخَ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مَعْرِفَةُ النَّسْخِ وَالنَّاسِخِ وَالدَّلِيلِ الْمَنْصُوبِ عَلَيْهِ، فَيَبْقَى هَذَا التَّكْلِيفُ بِالضَّرُورَةِ. وَنُسَلِّمُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَهُمْ أَنْ لَا يَعْرِفُوهُ وَأَنْ يُحَرِّمَ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَتَهُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: أُكَلِّفُكَ أَنْ لَا تُعَرِّفَنِي،

<<  <   >  >>