ذَلِكَ؟ وَلَعَلَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَ خُصُوصَ الْحَالِ فَأَجَابَ بِنَاءً عَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ، فَهَذَا تَقْرِيرُ عُمُومٍ بِالْوَهْمِ الْمُجَرَّدِ.
[مَسْأَلَةٌ وُرُودُ الْعَامِّ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ لَا يُسْقِطُ دَعْوَى الْعُمُومِ]
ِ وُرُودُ الْعَامِّ عَلَى سَبَبٍ خَاصٍّ لَا يُسْقِطُ دَعْوَى الْعُمُومِ،
كَقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ مَرَّ بِشَاةِ مَيْمُونَةَ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» وَقَالَ قَوْمٌ: يُسْقِطُ عُمُومَهُ، وَهُوَ خَطَأٌ، نَعَمْ يَصِيرُ احْتِمَالُ التَّخْصِيصِ أَقْرَبَ، وَيُقْنَعُ فِيهِ بِدَلِيلٍ أَخَفَّ، وَأَضْعَفَ، وَقَدْ يُعْرَفُ بِقَرِينَةِ اخْتِصَاصِهِ بِالْوَاقِعَةِ كَمَا إذَا قِيلَ كَلِّمْ فُلَانًا فِي وَاقِعَةٍ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ أَبَدًا فَإِنَّهُ يُفْهَمُ بِالْقَرِينَةِ أَنَّهُ يُرِيدُ تَرْكَ الْكَلَامِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ لَا عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى بَقَاءِ الْعُمُومِ أَنَّ الْحُجَّةَ فِي لَفْظِ الشَّارِعِ لَا فِي السُّؤَالِ، وَالسَّبَبِ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ مَعْدُولًا عَنْ سُنَنِ السُّؤَالِ حَتَّى لَوْ قَالَ السَّائِلُ: أَيَحِلُّ شُرْبُ الْمَاءِ، وَأَكْلُ الطَّعَامِ وَالِاصْطِيَادُ؟ فَيَقُولُ: الْأَكْلُ وَاجِبٌ، وَالشُّرْبُ مَنْدُوبٌ، وَالصَّيْدُ حَرَامٌ فَيَجِبُ اتِّبَاعُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ حَظْرٌ، وَوُجُوبٌ، وَالسُّؤَالُ وَقَعَ عَنْ الْإِبَاحَةِ فَقَطْ؛ وَكَيْفَ يُنْكَرُ هَذَا، وَأَكْثَرُ أُصُولِ الشَّرْعِ خَرَجَتْ عَلَى أَسْبَابٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {، وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] فِي سَرِقَةِ الْمِجَنِّ أَوْ رِدَاءِ صَفْوَانَ، وَنَزَلَتْ آيَةُ الظِّهَارِ فِي سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ، وَآيَةُ اللِّعَانِ فِي هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ. وَشُبَهُ الْمُخَالِفِينَ ثَلَاثٌ: الْأُولَى: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّبَبِ تَأْثِيرٌ، وَالنَّظَرُ إلَى اللَّفْظِ خَاصَّةً فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ إخْرَاجُ السَّبَبِ بِحُكْمِ التَّخْصِيصِ عَنْ عُمُومِ الْمُسَمَّيَاتِ كَمَا لَوْ لَمْ يَرِدْ عَلَى سَبَبٍ قُلْنَا: لَا خِلَافَ فِي أَنَّ كَلَامَهُ بَيَانٌ لِلْوَاقِعَةِ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّهُ بَيَانٌ لَهُ خَاصَّةً أَوْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَاللَّفْظُ يَعُمُّهُ، وَيَعُمُّ غَيْرَهُ، وَتَنَاوُلُهُ لَهُ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَتَنَاوُلُهُ لِغَيْرِهِ ظَاهِرٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَيُجِيبَ عَنْ غَيْرِهِ نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُ، وَعَنْ غَيْرِهِ، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُجِيبَ عَنْ غَيْرِهِ بِمَا يُنَبِّهُ عَلَى مَحَلِّ السُّؤَالِ، كَمَا «قَالَ لِعُمَرَ: أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ» وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ الْقُبْلَةِ وَقَالَ لِلْخَثْعَمِيَّةِ: «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ» .
الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّبَبِ مَدْخَلٌ لِمَا نَقَلَهُ الرَّاوِي، إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. قُلْنَا: فَائِدَتُهُ مَعْرِفَةُ أَسْبَابِ التَّنْزِيلِ، وَالسِّيَرِ، وَالْقَصَصِ، وَاتِّسَاعُ عِلْمِ الشَّرِيعَةِ، وَأَيْضًا امْتِنَاعُ إخْرَاجِ السَّبَبِ بِحُكْمِ التَّخْصِيصِ بِالِاجْتِهَادِ؛ وَلِذَلِكَ غَلِطَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إخْرَاجِ الْأَمَةِ الْمُسْتَفْرَشَةِ مِنْ قَوْلِهِ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» وَالْخَبَرُ إنَّمَا وَرَدَ فِي وَلِيدَةِ زَمْعَةَ إذْ قَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ هُوَ أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَأَثْبَت لِلْأَمَةِ فِرَاشًا،، وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَبْلُغْهُ السَّبَبُ فَأَخْرَجَ الْأَمَةَ مِنْ الْعُمُومِ.
الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ السَّبَبِ لَمَا أَخَّرَ الْبَيَانَ إلَى وُقُوعِ الْوَاقِعَةِ، فَإِنَّ الْغَرَضَ إذَا كَانَ تَمْهِيدَ قَاعِدَةٍ عَامَّةٍ فَلِمَ أَخَّرَهَا إلَى وُقُوعِ وَاقِعَةٍ؟ قُلْنَا: وَلِمَ قُلْتُمْ لَا فَائِدَةَ فِي تَأْخِيرِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِفَائِدَتِهِ؟ وَلِمَ طَلَبْتُمْ لِأَفْعَالِ اللَّهِ فَائِدَةً؟ بَلْ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُنْشِئَ التَّكْلِيفَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ، وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ. ثُمَّ نَقُولُ: لَعَلَّهُ عَلِمَ أَنَّ تَأْخِيرَهُ إلَى الْوَاقِعَةِ لُطْفٌ، وَمَصْلَحَةٌ لِلْعِبَادِ دَاعِيَةٌ إلَى الِانْقِيَادِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالتَّقْدِيمِ، وَالتَّأْخِيرِ. ثُمَّ نَقُولُ: يَلْزَمُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ اخْتِصَاصُ الرَّجْمِ بِمَاعِزٍ، وَالظِّهَارِ، وَاللِّعَانِ وَقَطْعِ السَّرِقَةِ بِالْأَشْخَاصِ الَّذِينَ وَرَدَ فِيهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَّرَ الْبَيَانَ إلَى وُقُوعِ وَقَائِعِهِمْ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute