الِاسْتِطَاعَةِ. فَإِنْ أَحَالُوا ذَلِكَ عَلَى الدَّلِيلِ أَحَلْنَاهَا بِتَكَرُّرٍ أَيْضًا عَلَى الدَّلِيلِ، كَيْفَ، وَمَنْ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ غَيْرَ مُحْدِثٍ فَلَا يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ جُنُبًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ، إذَا لَمْ يُرِدْ الصَّلَاةَ فَلَمْ يَتَكَرَّرْ مُطْلَقًا، لَكِنْ اُتُّبِعَ فِيهِ مُوجَبُ الدَّلِيلِ؟
[مَسْأَلَةٌ مُطْلَقُ الْأَمْرِ يَقْتَضِي الْفَوْرَ]
َ عِنْدَ قَوْمٍ مُطْلَقُ الْأَمْرِ يَقْتَضِي الْفَوْرَ عِنْدَ قَوْمٍ، وَلَا يَقْتَضِيهِ عِنْدَ قَوْمٍ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ مِنْ الْوَاقِفِيَّةِ قَوْمٌ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: التَّوَقُّفُ فِي الْمُؤَخِّرِ هَلْ هُوَ مُمْتَثِلٌ أَمْ لَا أَمَّا الْمُبَادِرُ فَمُمْتَثِلٌ قَطْعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ غَلَا وَقَالَ: يُتَوَقَّفُ فِي الْمُبَادِرِ أَيْضًا.، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي إلَّا الِامْتِثَالَ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْبِدَارُ، وَالتَّأْخِيرُ، وَنَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْوَقْفِ أَوَّلًا فَنَقُولُ لِلْمُتَوَقِّفِ: الْمُبَادِرُ مُمْتَثِلٌ أَمْ لَا؟ فَإِنْ تَوَقَّفْتَ فَقَدْ خَالَفْتَ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ قَبْلَكَ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمُسَارِعَ إلَى الِامْتِثَالِ مُبَالِغٌ فِي الطَّاعَةِ مُسْتَوْجِبٌ جَمِيلَ الثَّنَاءِ، وَالْمَأْمُورُ إذَا قِيلَ لَهُ: قُمْ يَعْلَمُ نَفْسَهُ مُمْتَثِلًا، وَلَا يُعَدُّ بِهِ مُخْطِئًا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ؛ وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُسَارِعِينَ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {وسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: ١٣٣] وَقَالَ: {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ، وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: ٦١] ، وَإِذَا بَطَلَ هَذَا التَّوَقُّفُ فَنَقُولُ: لَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ فِي الْمُؤَخِّرِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " اغْسِلْ هَذَا الثَّوْبَ " مَثَلًا لَا يَقْتَضِي إلَّا طَلَبَ الْغُسْلِ، وَالزَّمَانُ مِنْ ضَرُورَةِ الْغُسْلِ كَالْمَكَانِ، وَكَالشَّخْصِ فِي الْقَتْلِ، وَالضَّرْبِ، وَالسَّوْطِ، وَالسَّيْفِ فِي الضَّرْبِ، ثُمَّ لَا يَقْتَضِي الْأَمْرُ بِالضَّرْبِ مَضْرُوبًا مَخْصُوصًا، وَلَا سَوْطًا، وَلَا مَكَانًا لِلْأَمْرِ، فَكَذَلِكَ الزَّمَانُ؛ لِأَنَّ اللَّافِظَ سَاكِتٌ عَنْ التَّعَرُّضِ لِلزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ فَهُمَا سِيَّانِ، وَيَعْتَضِدُ هَذَا بِطَرِيقِ ضَرْبِ الْمِثَالِ لَا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ بِصِدْقِ الْوَعْدِ إذَا قَالَ: " اغْسِلْ، وَاقْتُلْ " فَإِنَّهُ صَادِقٌ بَادَرَ أَوْ أَخَّرَ، وَلَوْ حَلَفَ لَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبِدَارُ.
وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ مُدَّعِيَ الْفَوْرِ مُتَحَكِّمٌ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يَنْقُلَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ قَوْلَهُمْ: افْعَلْ لِلْبِدَارِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى نَقْلِ ذَلِكَ لَا تَوَاتُرًا، وَلَا آحَادًا، وَلَهُمْ شُبْهَتَانِ.
الْأُولَى: أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ، وَفِي تَجْوِيزِ التَّأْخِيرِ مَا يُنَافِي الْوُجُوبَ إمَّا بِالتَّوَسُّعِ، وَإِمَّا بِالتَّخْيِيرِ فِي فِعْلٍ لَا بِعَيْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَفْعَالِ الْوَاقِعَةِ فِي الْأَوْقَاتِ، وَالتَّوَسُّعُ، وَالتَّخْيِيرُ كِلَاهُمَا يُنَاقِضُ الْوُجُوبَ. قُلْنَا: قَدْ بَيَّنَّا فِي الْقُطْبِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ، وَالْمُوَسَّعَ جَائِزٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ وَقَالَ: " اغْسِلْ الثَّوْبَ أَيَّ وَقْتٍ شِئْتَ فَقَدْ أَوْجَبْتُهُ عَلَيْكَ " لَمْ يَتَنَاقَضْ. ثُمَّ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ، وَلَوْ كَانَ لِلْوُجُوبِ إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِقَرِينَةٍ فَالتَّوَسُّعُ لَا يُنَافِيهِ كَمَا سَبَقَ.
الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْفِعْلِ، وَاعْتِقَادَ الْوُجُوبِ، وَالْعَزْمَ عَلَى الِامْتِثَالِ ثُمَّ وُجُوبَ الِاعْتِقَادِ، وَالْعَزْمِ عَلَى الْفَوْرِ، فَلْيَكُنْ كَذَلِكَ الْفِعْلُ. قُلْنَا الْقِيَاسُ بَاطِلٌ فِي اللُّغَاتِ، ثُمَّ هُوَ مَنْقُوضٌ بِقَوْلِهِ: " افْعَلْ أَيَّ وَقْتٍ شِئْتَ " فَإِنَّ الِاعْتِقَادَ، وَالْعَزْمَ فِيهِ عَلَى الْفَوْرِ دُونَ الْفِعْلِ. ثُمَّ نَقُولُ: وُجُوبُ الْفَوْرِ فِي الْعَزْمِ وَالِاعْتِقَادِ مَعْلُومٌ بِقَرِينَةٍ، وَأَدِلَّةٍ دَلَّتْ عَلَى التَّصْدِيقِ لِلشَّارِعِ، وَالْعَزْمِ عَلَى الِانْقِيَادِ لَهُ، وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الصِّيغَةِ.
[مَسْأَلَةٌ وُجُوبُ الْقَضَاءِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى أَمْرٍ مُجَدَّدٍ]
ٍ مَذْهَبُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى أَمْرٍ مُجَدَّدٍ، وَمَذْهَبُ الْمُحَصِّلِينَ أَنَّ الْأَمْرَ بِعِبَادَةٍ فِي وَقْتٍ لَا يَقْتَضِي الْقَضَاءَ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعِبَادَةِ بِوَقْتِ الزَّوَالِ أَوْ شَهْرِ رَمَضَانَ كَتَخْصِيصِ الْحَجِّ بِعَرَفَاتٍ، وَتَخْصِيصِ الزَّكَاةِ بِالْمَسَاكِينِ، وَتَخْصِيصِ الضَّرْبِ، وَالْقَتْلِ بِشَخْصٍ، وَتَخْصِيصِ الصَّلَاةِ بِالْقِبْلَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ، وَالشَّخْصِ فَإِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute