وَأَنَّ إيجَابَ الْقِصَاصِ تَسْوِيَةٌ، وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَلٌ، وَلَفْظُ " الْخَيْرِ "، وَلَفْظُ " السَّبِيلِ " وَلَفْظُ " الِاسْتِوَاءِ " إلَى الْإِجْمَالِ أَقْرَبُ.
وَيَنْضَمُّ إلَيْهِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ لَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ الْحَصْرِ، وَلَيْسَ مَضْبُوطًا بِضَابِطٍ وَاحِدٍ، وَلَا بِضَوَابِطَ مَحْصُورَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرْ الْمُسْتَثْنَى كَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا، وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُهُ: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: لَا يُتَمَسَّكُ بِعُمُومِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ الْفَصْلِ بَيْنَ الْعُشْرِ، وَنِصْفِ الْعُشْرِ، وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ صِيغَةَ مَا صِيغَتُهُ شَرْطٌ وُضِعَ لِلْعُمُومِ بِخِلَافِ لَفْظِ السَّبِيلِ، وَالْخَيْرِ وَالِاسْتِوَاءِ. نَعَمْ تَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] فِي أَنَّهُ عَامٌّ أَوْ مُجْمَلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَلِفَ، وَاللَّامَ اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ لِلتَّعْرِيفِ، وَمَعْنَاهُ: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ الَّذِي عَرَّفَ الشَّرْعُ بِشَرْطِهِ.
[مَسْأَلَةٌ الْمُخَاطَبُ يَنْدَرِجُ تَحْتَ الْخِطَابِ الْعَامِّ]
وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ خِطَابِهِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٦٤] ، وَلَا يَدْخُلُ هُوَ تَحْتَهُ، وَبِدَلِيلِ قَوْلِ الْقَائِلِ لِغُلَامِهِ: مَنْ دَخَلَ الدَّارَ فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا فَإِنَّهُ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُعْطِيَ السَّيِّدَ، وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ، وَالْقَرِينَةَ هِيَ الَّتِي أَخْرَجَتْ الْمُخَاطَبَ مِمَّا ذَكَرُوهُ، وَيُعَارِضُهُ قَوْلُهُ: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٩] ، وَهُوَ عَالِمٌ بِذَاتِهِ، وَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ، وَمُجَرَّدُ كَوْنِهِ مُخَاطَبًا لَيْسَ قَرِينَةً قَاضِيَةً بِالْخُرُوجِ عَنْ الْعُمُومِ فِي كُلِّ خِطَابٍ بَلْ الْقَرَائِنُ فِيهِ تَتَعَارَضُ، وَالْأَصْلُ اتِّبَاعُ الْعُمُومِ فِي اللَّفْظِ.
[مَسْأَلَةٌ إفَادَة اسْم الْفَرْدِ الْعُمُومِ]
مَسْأَلَةٌ اسْمُ الْفَرْدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ يُفِيدُ فَائِدَةَ الْعُمُومِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ
أَحَدُهَا: كَقَوْلِهِ: «لَا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ» ، وَالثَّانِي: النَّفْيُ فِي النَّكِرَةِ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي النَّفْيِ تَعُمُّ، كَقَوْلِك: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا لِأَنَّ النَّفْيَ لَا خُصُوصَ لَهُ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ فَإِذَا أُضِيفَ إلَى مُنَكَّرٍ لَمْ يُتَخَصَّصْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: رَأَيْتُ رَجُلًا فَإِنَّهُ إثْبَاتٌ، وَالْإِثْبَاتُ يَتَخَصَّصُ فِي الْوُجُودِ، فَإِذَا أُخْبِرَ عَنْهُ لَمْ يُتَصَوَّرْ عُمُومُهُ، وَإِذَا أُضِيفَ إلَى مُفْرَدٍ اخْتَصَّ بِهِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ أَمْرٌ أَوْ مَصْدَرٌ، وَالْفِعْلُ بَعْدُ غَيْرُ وَاقِعٍ بَلْ مُنْتَظَرٌ كَقَوْلِهِ: " أَعْتِقْ رَقَبَةً " وقَوْله تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] فَإِنَّهُ مَا مِنْ رَقَبَةٍ إلَّا، وَهُوَ مُمْتَثِلٌ بِإِعْتَاقِهَا وَالِاسْمُ مُتَنَاوِلٌ لِلْكُلِّ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَعْتَقْت رَقَبَةً فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ مَاضٍ قَدْ تَمَّ وُجُودُهُ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ إلَّا فِعْلٌ خَاصٌّ
[مَسْأَلَةٌ صَرْفُ الْعُمُومِ إلَى غَيْرِ الِاسْتِغْرَاقِ]
جَائِزٌ، وَهُوَ مُعْتَادٌ، أَمَّا رَدُّهُ إلَى مَا دُونَ أَقَلِّ الْجَمْعِ فَغَيْرُ جَائِزٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَقَلِّ الْجَمْعِ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ عُمَرُ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إنَّهُ اثْنَانِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ثَلَاثَةٌ حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعُثْمَانَ حِينَ رَدَّ الْأُمَّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِأَخَوَيْنِ: لَيْسَ الْأَخَوَانِ إخْوَةً فِي لُغَةِ قَوْمِك، فَقَالَ: حَجَبَهَا قَوْمُك يَا غُلَامُ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إذَا اقْتَدَى بِالْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ اصْطَفُّوا خَلْفَهُ، وَإِذَا اقْتَدَى اثْنَانِ وَقَفَ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ جَانِبٍ.، وَهَذَا يُشْعِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ بِأَنَّهُ يَرَى أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةً، وَلَيْسَ مِنْ حَقِيقَةِ هَذَا الْخِلَافِ مَنْعُ جَمْعِ الِاثْنَيْنِ بِلَفْظٍ يَعُمُّهُمَا فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَمُعْتَادٌ، لَكِنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ لَفْظَ النَّاسِ، وَالرِّجَالِ، وَالْفُقَرَاءِ، وَأَمْثَالِهِ يُطْلَقُ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَمَا زَادَ حَقِيقَةً،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute