للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَامًّا بِهَذَا فَلَا بَأْسَ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ، وَهَذَا عَامٌّ قَدْ خُصِّصَ؟ قُلْنَا: لَا لِأَنَّ الْمَذَاهِبَ ثَلَاثَةٌ مَذْهَبَ أَرْبَابِ الْخُصُوصِ، وَمَذْهَبَ أَرْبَابِ الْعُمُومِ، وَمَذْهَبَ الْوَاقِفِيَّةِ. أَمَّا أَرْبَابُ الْخُصُوصِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَفْظُ الْمُشْرِكِينَ مَثَلًا مَوْضُوعٌ لِأَقَلِّ الْجَمْعِ، وَهُوَ لِلْخُصُوصِ، فَكَيْفَ يَقُولُونَ إنَّهُ عُمُومٌ قَدْ خُصِّصَ؟ وَأَمَّا أَرْبَابُ الْعُمُومِ فَيَقُولُونَ: هُوَ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْبَعْضُ فَقَدْ تُجُوِّزَ بِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ، وَوَضْعِهِ فَلَمْ يَتَصَرَّفْ فِي الْوَضْعِ، وَلَمْ يُغَيَّرْ حَتَّى يُقَالَ: إنَّهُ خَصَّصَ الْعَامَّ أَوْ هُوَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ؟ ، وَأَمَّا الْوَاقِفِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ اللَّفْظَ مُشْتَرَكٌ، وَإِنَّمَا يُنَزَّلُ عَلَى خُصُوصٍ أَوْ عُمُومٍ بِقَرِينَةٍ، وَإِرَادَةٍ مُعَيَّنَةٍ، كَلَفْظِ الْعَيْنِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ فَهُوَ مَوْضُوعٌ لَهُ لَا لِأَنَّهُ عَامٌّ قَدْ خُصِّصَ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ فَهُوَ مَوْضُوعٌ لَهُ لَا أَنَّهُ خَاصٌّ قَدْ عَمَّ. فَإِذًا هَذَا اللَّفْظُ مُؤَوَّلٌ عَلَى كُلِّ مَذْهَبٍ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يَصْلُحُ أَنْ يُقْصَدَ بِهِ الْعُمُومُ فَقُصِدَ بِهِ الْخُصُوصُ؛ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْوَقْفِ، وَعَلَى مَذْهَبِ الِاسْتِغْرَاقِ إنْ وَضَعَهُ لِلْعُمُومِ، وَاسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ وَضْعِهِ مَجَازًا فَهُوَ عَامٌّ بِالْوَضْعِ خَاصٌّ بِالْإِرَادَةِ، وَالتَّجَوُّزِ، وَإِلَّا فَالْعَامُّ، وَالْخَاصُّ بِالْوَضْعِ لَا يَنْقَلِبُ عَنْ وَضْعِهِ بِإِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: خَصَّصَ فُلَانٌ عُمُومَ الْآيَةِ، وَالْخَبَرِ إنْ كَانَ الْعَامُّ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ؟ قُلْنَا: تَخْصِيصُ الْعَامِّ مُحَالٌ كَمَا سَبَقَ، وَتَأْوِيلُ هَذَا اللَّفْظِ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ بِالْوَضْعِ أَوْ الصَّالِحِ لِإِرَادَةِ الْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ، فَيُقَالُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَسُّعِ لِمَنْ عَرَفَ ذَلِكَ أَنَّهُ خَصَّصَ الْعُمُومَ أَيْ: عَرَفَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ، ثُمَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ لَكِنْ اعْتَقَدَهُ أَوْ ظَنَّهُ أَوْ أَخْبَرَ عَنْهُ بِلِسَانِهِ أَوْ نَصَبَ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ يُسَمَّى مُخَصَّصًا، وَإِنَّمَا هُوَ مُعَرِّفٌ، وَمُخْبِرٌ عَنْ إرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ، وَمُسْتَدِلٌّ عَلَيْهِ بِالْقَرَائِنِ لَا أَنَّهُ مُخَصَّصٌ بِنَفْسِهِ. " هَذِهِ هِيَ الْمُقَدِّمَةُ.

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْعُمُومَ هَلْ لَهُ صِيغَةٌ أَمْ لَا]

أَمَّا الْأَبْوَابُ فَهِيَ خَمْسَةٌ: الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي أَنَّ الْعُمُومَ هَلْ لَهُ صِيغَةٌ أَمْ لَا؟ وَاخْتِلَافُ الْمَذَاهِبِ فِيهِ الْبَابُ الثَّانِي: فِي تَمْيِيزِ مَا يُمْكِنُ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيهِ عَمَّا لَا يُمْكِنُ. الْبَابُ الثَّالِثُ: فِي تَفْصِيلِ الْأَدِلَّةِ الْمُخَصِّصَةِ. الْبَابُ الرَّابِعُ: فِي تَعَارُضِ الْعُمُومَيْنِ. الْبَابُ الْخَامِسُ: فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَالشَّرْطِ. الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي أَنَّ الْعُمُومَ هَلْ لَهُ صِيغَةٌ فِي اللُّغَةِ أَمْ لَا.

وَلْنَشْرَحْ أَوَّلًا صِيَغَ الْعُمُومِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا، ثُمَّ اخْتِلَافَ الْمَذَاهِبِ، ثُمَّ أَدِلَّةَ أَرْبَابِ الْخُصُوصِ، ثُمَّ أَدِلَّةَ أَرْبَابِ الْعُمُومِ، ثُمَّ أَدِلَّةَ أَرْبَابِ الْوَقْفِ، ثُمَّ الْمُخْتَارَ فِيهِ عِنْدَنَا، ثُمَّ حُكْمَ الْعَامِّ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إذَا دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ؛ فَهَذِهِ سَبْعَةُ فُصُولٍ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهَا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ:

الْأَوَّلُ: أَلْفَاظُ الْجُمُوعِ، إمَّا الْمُعَرَّفَةُ كَالرِّجَالِ، وَالْمُشْرِكِينَ، وَإِمَّا الْمُنَكَّرَةُ كَقَوْلِهِمْ: رِجَالٌ، وَمُشْرِكُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا} [ص: ٦٢] ، وَالْمُعَرَّفَةُ لِلْعُمُومِ إذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهَا تَعْرِيفُ الْمَعْهُودِ، كَقَوْلِهِمْ: " أَقْبَلَ الرَّجُلُ، وَالرِّجَالُ " أَيْ: الْمَعْهُودُونَ الْمُنْتَظَرُونَ

الثَّانِي: مَنْ " " وَمَا " إذَا وَرَدَا لِلشَّرْطِ، وَالْجَزَاءِ كَقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَعَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» ، وَفِي مَعْنَاهُ " مَتَى " " وَأَيْنَ " لِلْمَكَانِ، وَالزَّمَانِ كَقَوْلِهِ: مَتَى جِئْتَنِي أَكْرَمْتُكَ، وَأَيْنَمَا كُنْتَ أَتَيْتُكَ

الثَّالِثُ: أَلْفَاظُ النَّفْيِ، كَقَوْلِكَ: مَا جَاءَنِي أَحَدٌ، وَمَا فِي الدَّارِ دِيَارٌ.

الرَّابِعُ: الِاسْمُ الْمُفْرَدُ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْأَلِفُ، وَاللَّامُ لَا لِلتَّعْرِيفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: ٢] وَقَوْلِهِ: {، وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] . أَمَّا النَّكِرَةُ

<<  <   >  >>