عَلَى مَا ظَنَّهُ قَوْمٌ لِأَنَّهُمَا حُكْمَانِ شَرْعِيَّانِ صِدْقُ الرَّاوِي فِيهِمَا عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ
[الْبَابُ الثَّانِي فِي تَرْجِيحِ الْعِلَلِ]
الْبَابُ الثَّانِي تَرْجِيحِ الْعِلَلِ وَمَجَامِعِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ تَرْجِيحُ الْعِلَلِ خَمْسَةٌ.
الْأَوَّلُ: مَا يَرْجِعُ إلَى قُوَّةِ الْأَصْلِ الَّذِي مِنْهُ الِانْتِزَاعُ، فَإِنَّ قُوَّةَ الْأَصْلِ تُؤَكِّدُ الْعِلَّةَ
الثَّانِي: مَا يَرْجِعُ إلَى تَقْوِيَةِ نَفْسِ الْعِلَّةِ فِي ذَاتِهَا.
الثَّالِثُ: مَا يَرْجِعُ إلَى قُوَّةِ طَرِيقِ إثْبَاتِ الْعِلَّةِ مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ أَمَارَةٍ.
الرَّابِعُ: مَا يُقَوِّي حُكْمَ الْعِلَّةِ الثَّابِتَ بِهَا.
الْخَامِسُ: أَنْ تَتَقَوَّى بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ وَمُوَافَقَتِهَا لَهَا.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مَا يَرْجِعُ إلَى قُوَّةِ الْأَصْلِ وَهِيَ عَشَرَةٌ:
أَنْ تَكُونَ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ مُنْتَزَعَةً مِنْ أَصْلٍ مَعْلُومٍ اسْتِقْرَارُهُ فِي الشَّرْعِ ضَرُورَةً وَالْأُخْرَى مِنْ أَصْلٍ مَعْلُومٍ لَكِنْ بِنَظَرٍ وَدَلِيلٍ فَإِنَّهُمَا وَإِنْ كَانَا مَعْلُومَيْنِ فَجَاحِدُ الضَّرُورِيِّ يَكْفُرُ وَجَاحِدُ النَّظَرِيِّ لَا يَكْفُرُ فَذَلِكَ أَقْوَى. فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ قَدَّمْتُمْ أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ مَعْلُومٌ عَلَى مَعْلُومٍ؟ قُلْنَا: الْعِلَّتَانِ مَظْنُونَتَانِ وَإِنَّمَا الْمَعْلُومُ أَصْلَاهُمَا وَالتَّرْجِيحُ لِلْعِلَّةِ الْمَظْنُونَةِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ مُحْتَمِلًا لِلنَّسْخِ أَوْ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى نَسْخِهِ فَمَا سَلِمَ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَالِاحْتِمَالِ أَوْلَى وَأَقْوَى
الثَّالِثُ: أَنْ يَثْبُتَ أَصْلُ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْآخَرِ بِخَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ وَأَمْرٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، فَإِنَّ الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا قَطْعًا فَهُوَ حَقٌّ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَنْ ظَنَّ صِدْقَ الرَّاوِي وَالْآخَرُ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ مُطْلَقًا لَا بِالْإِضَافَةِ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ ثَابِتًا بِرِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ وَالْآخَرُ بِرِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّهُ يُرَجَّحُ الْأَوَّلُ عِنْدَ مَنْ يُرَجِّحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ وَلَا يُرَجَّحُ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ.
الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ ثَابِتًا بِعُمُومٍ لَمْ يَدْخُلْهُ التَّخْصِيصُ فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا ثَبَتَ بِعُمُومٍ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ لِضَعْفِهِ.
السَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ ثَابِتًا بِصَرِيحِ النَّصِّ وَالْآخَرُ ثَبَتَ بِتَقْدِيرِ إضْمَارٍ أَوْ حَذْفٍ دَقِيقٍ، فَالنَّصُّ الصَّرِيحُ أَوْلَى.
السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ أَصْلًا بِنَفْسِهِ وَالْآخَرُ فَرْعًا لِأَصْلٍ آخَرَ، فَالْفَرْعُ ضَعِيفٌ عِنْدَ مَنْ جَوَّزَ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ وَالْأَظْهَرُ مَنْعُ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ أَصْلٌ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَقْوَى مِنْ أَصْلٍ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ.
الثَّامِنُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ مِمَّا اتَّفَقَ الْقَائِسُونَ عَلَى تَعْلِيلِهِ وَالْآخَرُ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَالْمُتَّفَقُ عَلَى تَعْلِيلِهِ مِنْ الْقَائِسِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كُلَّ الْأُمَّةِ أَقْرَبُ إلَى كَوْنِهِ مَعْلُومًا مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ.
التَّاسِعُ: أَنْ يَكُونَ دَلِيلُ أَحَدِ الْأَصْلَيْنِ مَكْشُوفًا مُعَيَّنًا وَالْآخَرُ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَيُقَدَّمُ الْمَكْشُوفُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ رُتْبَتِهِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَالْمَجْهُولُ لَا يُدْرَى مَا رُتْبَتُهُ وَمَا وَجْهُ مُعَاوَضَتِهِ لِغَيْرِهِ وَمُسَاوَاتِهِ لَهُ.
الْعَاشِرُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ مُغَيِّرًا لِلنَّفْيِ الْأَصْلِيِّ وَالْآخَرُ مُقَرِّرًا، فَالْمُغَيِّرُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَأَصْلٌ سَمْعِيٌّ وَالْآخَرُ نَفْيٌ لِلْحُكْمِ عَلَى الْحَقِيقَةِ
الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا يَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ، وَنَرْجِعُ إلَى بَقِيَّةِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ نُورِدُهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لِتَعَلُّقِ بَعْضِهَا بِالْبَعْضِ، وَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى قَرِيبٍ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا.
الْأَوَّلُ: أَنْ تَثْبُتَ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ بِنَصٍّ قَاطِعٍ وَهَذَا قَدْ أُورِدَ فِي التَّرْجِيحِ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ يَنْمَحِي فِي مُقَابَلَةِ الْقَاطِعِ فَلَا يَبْقَى مَعَهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى تَرْجِيحٍ، إذْ لَوْ بَقِيَ مَعَهُ لَتَطَرَّقَ شَكُّنَا إلَيْهِ وَيَخْرُجُ عَنْ