للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَجْهِ تَضَمُّنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ لِلنَّتِيجَةِ عَلَى مَعْنَى وُجُودِهَا فِيهِمَا بِالْقُوَّةِ فَقَطْ، أَمَّا صَيْرُورَةُ النَّتِيجَةِ بِالْفِعْلِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْقُدْرَةُ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هُوَ كَسْبُ مَقْدُورٍ.

وَالرَّأْيُ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ، وَالْمَقْصُودُ كَشْفُ الْغِطَاءِ عَنْ النَّظَرِ وَأَنَّ وَجْهَ الدَّلِيلِ مَا هُوَ وَالْمَدْلُولَ مَا هُوَ وَالنَّظَرَ الصَّحِيحَ مَا هُوَ وَالنَّظَرَ الْفَاسِدَ مَا هُوَ. وَتَرَى الْكُتُبَ مَشْحُونَاتٍ بِتَطْوِيلَاتٍ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِنْ غَيْرِ شِفَاءٍ، وَإِنَّمَا الْكَشْفُ يَحْصُلُ بِالطَّرِيقِ الَّذِي سَلَكْنَاهُ فَقَطْ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَغَفُكَ بِالْكَلَامِ الْمُعْتَادِ الْمَشْهُورِ بَلْ بِالْكَلَامِ الْمُفِيدِ الْمُوَضَّحِ وَإِنْ خَالَفَ الْمُعْتَادَ مُغَالَطَةٌ مِنْ مُنْكِرِي النَّظَرِ: وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: مَا تَطْلُبُ بِالنَّظَرِ هُوَ مَعْلُومٌ لَك أَمْ لَا؟ فَإِنْ عَلِمْتَ فَكَيْفَ تَطْلُبُ وَأَنْتَ وَاجِدٌ؟ وَإِنَّ جَهِلْتَهُ فَإِذَا وَجَدْتَهُ فَبِمَ تَعْرِفُ أَنَّهُ مَطْلُوبُك؟ وَكَيْفَ يَطْلُبُ الْعَبْدَ الْآبِقَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ؟ فَإِنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ مَطْلُوبُهُ. فَنَقُولُ: أَخْطَأْتَ فِي نَظْمِ شُبْهَتِكَ، فَإِنَّ تَقْسِيمَكَ لَيْسَ بِحَاصِرٍ؛ إذْ قُلْتَ تَعْرِفُهُ أَوْ لَا تَعْرِفُهُ بَلْ هَهُنَا قِسْمٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنِّي أَعْرِفُهُ مِنْ وَجْهٍ وَأَعْلَمُهُ مِنْ وَجْهٍ وَأَجْهَلُهُ مِنْ وَجْهٍ؛ وَأَعْنِي الْآنَ بِالْمَعْرِفَةِ غَيْرَ الْعِلْمِ، فَإِنِّي أَفْهَم مُفْرَدَاتِ أَجْزَاءِ الْمَطْلُوبِ بِطَرِيقِ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّصَوُّرِ وَأَعْلَمُ جُمْلَةَ النَّتِيجَةِ الْمَطْلُوبَةِ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ، أَيْ فِي قُوَّتِي أَنْ أَقْبَلَ التَّصْدِيقَ بِهَا بِالْفِعْلِ وَأَجْهَلُهَا مِنْ وَجْهٍ أَيْ لَا أَعْلَمُهَا بِالْفِعْلِ، وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُهَا بِالْفِعْلِ لَمَا طَلَبْتُهَا، وَلَوْ لَمْ أَعْلَمْهَا بِالْقُوَّةِ لَمَا طَمِعْتُ فِي أَنْ أَعْلَمَهَا إذْ مَا لَيْسَ فِي قُوَّتِي عِلْمُهُ يَسْتَحِيلُ حُصُولُهُ كَاجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ، وَلَوْلَا أَنِّي أَفْهَمُهُ بِالْمَعْرِفَةِ وَالتَّصَوُّرِ لِأَجْزَائِهِ الْمُنْفَرِدَةِ لَمَا كُنْتُ أَعْلَمُ الظَّفَرَ بِمَطْلُوبِي إذَا وَجَدْتُهُ، وَهُوَ كَالْعَبْدِ الْآبِقِ فَإِنِّي أَعْرِفُ ذَاتَهُ بِالتَّصَوُّرِ وَإِنَّمَا أَطْلُبُ مَكَانَهُ وَأَنَّهُ فِي الْبَيْتِ أَمْ لَا، وَكَوْنُهُ فِي الْبَيْتَ أَفْهَمُهُ بِالْمَعْرِفَةِ وَالتَّصَوُّرِ، أَيْ أَفْهَمُ الْبَيْتَ مُفْرَدًا وَالْكَوْنَ مُفْرَدًا وَأَعْلَمُهُ بِالْقُوَّةِ أَيْ فِي قُوَّتِي أَنْ أُصَدِّقَ بِكَوْنِهِ فِي الْبَيْتِ وَأَطْلُبُ حُصُولَهُ بِالْفِعْلِ مِنْ جِهَةِ حَاسَّةِ الْبَصَرِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ فِي الْبَيْتِ صَدَّقْتُ بِكَوْنِهِ فِي الْبَيْتِ؛ فَكَذَلِكَ طَلَبِي لِكَوْنِ الْعَالَمِ حَادِثًا إذَا وَجَدْتُهُ.

[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي انْقِسَامِ الْبُرْهَانِ إلَى بُرْهَانِ عِلَّةٍ وَبُرْهَانِ دَلَالَةٍ]

ٍ انْقِسَامِ الْبُرْهَانِ إلَى بُرْهَانِ عِلَّةٍ وَبُرْهَانِ دَلَالَةٍ.

أَمَّا بُرْهَانُ الدَّلَالَةِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ الْمُتَكَرِّرُ فِي الْمُقَدِّمَتَيْنِ مَعْلُولًا وَمُسَبَّبًا، فَإِنَّ الْعِلَّةَ وَالْمَعْلُولَ يَتَلَازَمَانِ وَكَذَلِكَ السَّبَبُ وَالْمُسَبِّبُ وَالْمُوجِبُ وَالْمُوجَبُ؛ فَإِنْ اسْتَدْلَلْتَ بِالْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ فَالْبُرْهَانُ بُرْهَانُ عِلَّةٍ، وَإِنْ اسْتَدْلَلْتَ بِالْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ فَهُوَ بُرْهَانُ دَلَالَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَدْلَلْتَ بِأَحَدِ الْمَعْلُولَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَمِثَالُ قِيَاسِ الْعِلَّةِ الْمَحْسُوسَاتُ أَنْ تَسْتَدِلَّ عَلَى الْمَطَرِ بِالْغَيْمِ وَعَلَى شِبَعِ زَيْدٍ بِأَكْلِهِ، فَتَقُولُ: أَكَلَ كَثِيرًا فَهُوَ فِي الْحَالِ شَبْعَانُ وَزَيْدٌ قَدْ أَكَلَ كَثِيرًا، فَهُوَ إذًا شَبْعَانُ.

وَإِنْ قُلْتَ: إنَّ كُلَّ شَبْعَانَ قَدْ أَكَلَ كَثِيرًا وَزَيْدٌ شَبْعَانُ فَإِذًا قَدْ أَكَلَ كَثِيرًا؛ فَهَذَا بُرْهَانُ دَلَالَةٍ، وَمِثَالُهُ مِنْ الْكَلَام قَوْلُكَ كُلُّ فِعْلٍ مُحْكَمٍ فَفَاعِلُهُ عَالِمٌ، وَالْعَالِمُ فِعْلٌ مُحْكَمٍ فَصَانِعُهُ عَالِمٌ. وَمِثَالُ الِاسْتِدْلَالِ بِإِحْدَى النَّتِيجَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فِي الْفِقْهِ قَوْلُنَا: الزِّنَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَطْءٍ لَا يُوجِبُ الْمَحْرَمِيَّةَ فَلَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ الْمَحْرَمِيَّةَ فَلَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ وَالْمَحْرَمِيَّةَ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا عِلَّةً لِلْأُخْرَى بَلْ هُمَا نَتِيجَتَا عِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَحُصُولُ إحْدَى النَّتِيجَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ الْأُخْرَى بِوَاسِطَةِ الْعِلَّةِ، فَإِنَّهَا تُلَازِمُ عِلَّتهَا وَالنَّتِيجَةُ

الثَّانِيَةُ أَيْضًا تُلَازِمُ عِلَّتهَا وَمُلَازِمُ الْمُلَازِمِ مُلَازِمٌ لَا مَحَالَةَ. وَجَمِيعُ اسْتِدْلَالَاتِ الْفِرَاسَةِ

<<  <   >  >>