[مَسْأَلَةٌ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعُمُومِ الِاقْتِرَانَ بِالْعَامِّ وَالْعَطْفَ عَلَيْهِ]
مَسْأَلَةٌ ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعُمُومِ الِاقْتِرَانَ بِالْعَامِّ، وَالْعَطْفَ عَلَيْهِ.
وَهُوَ غَلَطٌ إذْ الْمُخْتَلِفَانِ قَدْ تَجْمَعُ الْعَرَبُ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَفَ الْوَاجِبُ عَلَى النَّدْبِ، وَالْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: ٢٢٨] عَامٌّ وَقَوْلُهُ: بَعْدُ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: ٢٢٨] خَاصٌّ وقَوْله تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} [الأنعام: ١٤١] إبَاحَةٌ وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١] إيجَابٌ وقَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: ٣٣] اسْتِحْبَابٌ وَقَوْلُهُ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣] إيجَابٌ
[مَسْأَلَةٌ الِاسْمُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ مُسَمَّيَيْنِ لَا يُمْكِنُ دَعْوَى الْعُمُومِ فِيهِ]
عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْقَاضِي، وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَمْ يُوضَعْ لِلْجَمْعِ، مِثَالُهُ الْقُرْءُ لِلطُّهْرِ، وَالْحَيْضِ، وَالْجَارِيَةُ لِلسَّفِينَةِ، وَالْأَمَةِ، وَالْمُشْتَرَى لِلْكَوْكَبِ السَّعْدِ وَقَابِلِ الْبَيْعِ، وَالْعَرَبُ مَا وَضَعَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ وَضْعًا يُسْتَعْمَلُ فِي مُسَمَّيَاتِهَا إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، أَمَّا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ فَلَا. نَعَمْ نِسْبَةُ الْمُشْتَرَكِ إلَى مُسَمَّيَاتِهِ مُتَشَابِهَةٌ، وَنِسْبَةُ الْعُمُومِ إلَى آحَادِ الْمُسَمَّيَاتِ مُتَشَابِهَةٌ، لَكِنَّ تَشَابُهَ نِسْبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْعُمُومِ عَلَى الْجَمْعِ، وَنِسْبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الْبَدَلِ، وَتَشَابُهَ نِسْبَةِ الْمَفْهُومِ فِي السُّكُوتِ عَنْ الْجَمْعِ لَا فِي الدَّلَالَةِ، وَتَشَابُهَ نِسْبَةِ الْفِعْلِ فِي إمْكَانِ وُقُوعِهِ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ إذْ الصَّلَاةُ الْمُعَيَّنَةُ إذَا تُلُقِّيَتْ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ فَرْضًا، وَنَفْلًا، وَأَدَاءً وَقَضَاءً، وَظُهْرًا، وَعَصْرًا، وَالْإِمْكَانُ شَامِلٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى عِلْمِنَا، أَمَّا الْوَاقِعُ فِي نَفْسِهِ، وَفِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدٌ مُتَعَيِّنٌ لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ فَهَذِهِ أَنْوَاعُ التَّشَابُهِ، وَالْوَهْمُ سَابِقٌ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُتَشَابِهَاتِ، وَأَنْوَاعُ هَذَا التَّشَابُهِ مُتَشَابِهَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَرُبَّمَا يَسْبِقُ إلَى بَعْضِ الْأَوْهَامِ أَنَّ الْعُمُومَ كَانَ دَلِيلًا لِتَشَابُهِ نِسْبَةِ اللَّفْظِ إلَى الْمُسَمَّيَاتِ، وَالتَّشَابُهُ هَهُنَا مَوْجُودٌ فَيَثْبُتُ حُكْمُ الْعُمُومِ، وَهُوَ غَفْلَةٌ عَنْ تَفْصِيلِ هَذَا التَّشَابُهِ، وَإِنْ تَشَابَهَ نِسْبَةُ الْعُمُومِ إلَى مُسَمَّيَاتِهِ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْجَمْعِ بِخِلَافِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ. احْتَجَّ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ اللَّفْظَ مَرَّتَيْنِ، وَأَرَادَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مَعْنًى آخَرَ جَازَ، فَأَيُّ بُعْدٍ فِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَيُرِيدُ بِهِ كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَعَ صَلَاحِ اللَّفْظِ لِلْكُلِّ؟ بِخِلَافِ مَا إذَا قُصِدَ بِلَفْظِ الْمُؤْمِنِينَ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ جَمِيعًا فَإِنَّ لَفْظَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَصْلُحُ لِلْمُشْرِكِينَ بِخِلَافِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ. فَنَقُولُ: إنْ قَصَدَ بِاللَّفْظِ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فَهَذَا مُمْكِنٌ لَكِنْ يَكُونُ قَدْ خَالَفَ الْوَضْعَ كَمَا فِي لَفْظِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ الْعَرَبَ وَضَعَتْ اسْمَ الْعَيْنِ لِلذَّهَبِ، وَالْعُضْوِ الْبَاصِرِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ فَإِنْ قِيلَ اللَّفْظُ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ فِي شَيْءٍ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ هَلْ يُطْلَقُ لِإِرَادَةِ مَعْنَيَيْهِ جَمِيعًا مِثْلُ النِّكَاحِ لِلْوَطْءِ، وَالْعَقْدِ، وَاللَّمْسِ لِلْمَسِّ وَلِلْوَطْءِ حَتَّى يُحْمَلَ قَوْلُهُ: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٢] عَلَى وَطْءِ الْأَبِ، وَعَقْدِهِ جَمِيعًا وقَوْله تَعَالَى: {أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ} [المائدة: ٦] عَلَى الْوَطْءِ، وَالْمَسِّ جَمِيعًا قُلْنَا: هَذَا عِنْدَنَا كَاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ.
وَإِنْ كَانَ التَّعْمِيمُ فِيهِ أَقْرَبَ قَلِيلًا وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: أَحْمِلُ آيَةَ اللَّمْسِ عَلَى الْمَسِّ، وَالْوَطْءِ جَمِيعًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ هَذَا أَقْرَبُ لِأَنَّ الْمَسَّ مُقَدِّمَةُ الْوَطْءِ، وَالنِّكَاحُ أَيْضًا يُرَادُ لِلْوَطْءِ فَهُوَ مُقَدِّمَتُهُ وَلِأَجْلِهِ اُسْتُعِيرَ لِلْعَقْدِ اسْمُ النِّكَاحِ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute