للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَمُؤْنَتُهُمَا خَفِيفَةٌ إذْ طَالِبهُمَا قَانِعٌ بِتَبْدِيلِ لَفْظِ الْعُقَارِ بِالْخَمْرِ وَتَبْدِيلِ لَفْظِ الْعِلْمِ بِالْمَعْرِفَةِ أَوْ بِمَا هُوَ وَصْفٌ عَرَضِيٌّ جَامِعٌ مَانِعٌ، وَإِنَّمَا الْعَوِيصُ الْمُتَعَذِّرُ هُوَ الْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ الْكَاشِفُ عَنْ مَاهِيَّةِ الشَّيْءِ لَا غَيْرَ

الْقَانُونُ الثَّالِثُ: أَنَّ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَأَرَدْتَ أَنْ تَحُدَّهُ حَدًّا حَقِيقِيًّا فَعَلَيْكَ فِيهِ وَظَائِفُ لَا يَكُونُ الْحَدُّ حَقِيقِيًّا إلَّا بِهَا، فَإِنْ تَرَكْتَهَا سَمَّيْنَاهُ رَسْمِيًّا أَوْ لَفْظِيًّا وَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُعْرِبًا عَنْ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ وَمُصَوِّرًا لِكُنْهِ مَعْنَاهُ فِي النَّفْسِ.

الْأُولَى: أَنْ تُجْمَعَ أَجْزَاءُ الْحَدِّ مِنْ الْجِنْسِ وَالْفُصُولِ، فَإِذَا قَالَ لَكَ مُشِيرًا إلَى مَا يَنْبُتُ مِنْ الْأَرْضِ: مَا هُوَ؟ فَلَا بُدَّ أَنْ تَقُولَ: جِسْمٌ، لَكِنْ لَوْ اقْتَصَرْتَ عَلَيْهِ لَبَطَلَ عَلَيْكَ بِالْحَجَرِ فَتَحْتَاجُ إلَى الزِّيَادَةِ فَتَقُولُ: نَامٍ، فَتَحْتَرِزُ بِهِ عَمَّا لَا يَنْمُو، فَهَذَا الِاحْتِرَازُ يُسَمَّى فَصْلًا أَيْ فَصَلْتَ الْمَحْدُودَ عَنْ غَيْرِهِ.

الثَّانِيَةُ: أَنْ تَذْكُرَ جَمِيعَ ذَاتِيَّاتِهِ وَإِنْ كَانَتْ أَلْفًا وَلَا تُبَالِي بِالتَّطْوِيلِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تُقَدِّمَ الْأَعَمَّ عَلَى الْأَخَصِّ فَلَا تَقُولُ نَامٍ جِسْمٌ بَلْ بِالْعَكْسِ.

وَهَذِهِ لَوْ تَرَكْتَهَا لَتَشَوَّشَ النَّظْمُ وَلَمْ تَخْرُجْ الْحَقِيقَةُ عَنْ كَوْنِهَا مَذْكُورَةً مَعَ اضْطِرَابِ اللَّفْظِ، فَالْإِنْكَارُ عَلَيْكَ فِي هَذَا أَقَلُّ مِمَّا فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى الْجِسْمِ.

الثَّالِثَةُ: أَنَّكَ إذَا وَجَدَتْ الْجِنْسَ الْقَرِيبَ فَلَا تَذْكُرْ الْبَعِيدَ مَعَهُ فَتَكُونَ مُكَرِّرًا، كَمَا تَقُولُ: مَائِعٌ شَرَابٌ، أَوْ تَقْتَصِرُ عَلَى الْبَعِيدِ فَتَكُونُ مُبْعِدًا، كَمَا تَقُولُ فِي حَدِّ الْخَمْرِ، جِسْمٌ مُسْكِرٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعِنَبِ. وَإِذَا ذَكَرْتَ هَذَا فَقَدْ ذَكَرْتَ مَا هُوَ ذَاتِيٌّ وَمُطَّرِدٌ وَمُنْعَكِسٌ لَكِنَّهُ مُخْتَلٌّ قَاصِرٌ عَنْ تَصْوِيرِ كُنْهِ حَقِيقَةِ الْخَمْرِ، بَلْ لَوْ قُلْتَ: مَائِعٌ مُسْكِرٌ، كَانَ أَقْرَبَ مِنْ الْجِسْمِ، وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ: شَرَابٌ مُسْكِرٌ، فَإِنَّهُ الْأَقْرَبُ الْأَخَصُّ وَلَا تَجِدُ بَعْدَهُ جِنْسًا أَخَصَّ مِنْهُ، فَإِذَا ذَكَرْتَ الْجِنْسَ فَاطْلُبْ بَعْدَهُ الْفَصْلَ إذْ الشَّرَابُ يَتَنَاوَلُ سَائِرَ الْأَشْرِبَةِ فَاجْتَهِدْ أَنْ تَفْصِلَ بِالذَّاتِيَّاتِ إلَّا إذَا عَسُرَ عَلَيْكَ ذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ عَسِيرٌ فِي أَكْثِرْ الْحُدُودِ فَاعْدِلْ بَعْدَ ذِكْرِ الْجِنْسِ إلَى اللَّوَازِمِ وَاجْتَهِدْ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ اللَّوَازِمِ الظَّاهِرَةِ الْمَعْرُوفَةِ فَإِنَّ الْخَفِيَّ لَا يُعْرَفُ،

كَمَا إذَا قِيلَ: مَا الْأَسَدُ؟ فَقُلْتَ: " سَبُعٌ أَبْخَرُ " لَيَتَمَيَّزَ بِالْبَخَرِ عَنْ الْكَلْبِ، فَإِنَّ الْبَخَرَ مِنْ خَوَاصِّ الْأَسَدِ لَكِنَّهُ خَفِيٌّ، وَلَوْ قُلْتَ: سَبُعٌ شُجَاعٌ عَرِيضُ الْأَعَالِي، لَكَانَتْ هَذِهِ اللَّوَازِمُ وَالْأَعْرَاضُ أَقْرَبُ إلَى الْمَقْصُودِ لِأَنَّهَا أَجْلَى.

وَأَكْثَرُ مَا تَرَى فِي الْكُتُبِ مِنْ الْحُدُودِ رَسْمِيَّةً إذْ الْحَقِيقَةُ عَسِرَةٌ جِدًّا، وَقَدْ يَسْهُلُ دَرَكُ بَعْضِ الذَّاتِيَّاتِ وَيَعْسُرُ بَعْضُهَا فَإِنَّ دَرَكَ جَمِيعِ الذَّاتِيَّاتِ حَتَّى لَا يَشِذَّ وَاحِدٌ مِنْهَا عَسِرٌ. وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الذَّاتِيِّ وَاللَّازِمِ عَسِرٌ، وَرِعَايَةُ التَّرْتِيبِ حَتَّى لَا يُبْتَدَأَ بِالْأَخَصِّ قَبْلَ الْأَعَمِّ عَسِرٌ وَطَلَبُ الْجِنْسِ الْأَقْرَبِ عَسِرٌ، فَإِنَّكَ رُبَّمَا تَقُولُ فِي الْأَسَدِ إنَّهُ حَيَوَانٌ شُجَاعٌ وَلَا يَحْضُرُكَ لَفْظُ السَّبُعِ فَتَجْمَعُ أَنْوَاعًا مِنْ الْعُسْرِ، وَأَحْسَنُ الرَّسْمِيَّاتِ مَا وُضِعَ فِيهِ الْجِنْسُ الْأَقْرَبُ وَتُمِّمَ بِالْخَوَاصِّ الْمَشْهُورَةِ الْمَعْرُوفَةِ.

الرَّابِعَةُ: أَنْ تَحْتَرِزَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْغَرِيبَةِ الْوَحْشِيَّةِ وَالْمَجَازِيَّةِ الْبَعِيدَةِ وَالْمُشْتَرَكَةِ الْمُتَرَدِّدَةِ، وَاجْتَهِدْ فِي الْإِيجَازِ مَا قَدَرْتَ وَفِي طَلَبِ اللَّفْظِ النَّصَّ مَا أَمْكَنَكَ، فَإِنْ أَعْوَزَكَ النَّصُّ وَافْتَقَرْتَ إلَى الِاسْتِعَارَةِ فَاطْلُبْ مِنْ الِاسْتِعَارَاتِ مَا هُوَ أَشَدُّ مُنَاسَبَةً لِلْغَرَضِ، وَاذْكُرْ مُرَادَكَ لِلسَّائِلِ فَمَا كُلُّ أَمْرٍ مَعْقُولٍ لَهُ عِبَارَةٌ صَرِيحَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِلْإِنْبَاءِ عَنْهُ.

وَلَوْ طَوَّلَ مُطَوِّلٌ وَاسْتَعَارَ مُسْتَعِيرٌ أَوْ أَتَى بِلَفْظٍ مُشْتَرَكٍ وَعُرِفَ مُرَادُهُ بِالتَّصْرِيحِ أَوْ عُرِفَ بِالْقَرِينَةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعْظِمَ صَنِيعَهُ وَيُبَالِغَ فِي

<<  <   >  >>