للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَغْوًا بِلَا فَائِدَةٍ أَوْ لِسَبَبٍ آخَرَ، وَلَيْسَ فِي تَسْلِيمِهِ تَعْلِيلُ الْقُدْرَةِ وَالْآلَةِ بِتَأَتِّي الِامْتِثَالِ مَا يَلْزَمُهُ تَعْلِيلُ غَيْرِهِ بِهِ.

الثَّالِثُ: الِاسْتِدْلَال عَلَى جَوَازِهِ بِوُقُوعِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: ١٨] {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٩] وَثُمَّ لِلتَّأْخِيرِ وَقَالَ تَعَالَى {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: ١] وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧] ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بَقَرَةً مُعَيَّنَةً وَلَمْ يُفَصِّلْ إلَّا بَعْدَ السُّؤَالِ وَقَالَ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: ٤١] الْآيَةَ.

، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذِي الْقُرْبَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ بَنِي أُمَيَّةَ وَكُلِّ مَنْ عَدَا بَنِي هَاشِمٍ، فَلَمَّا مَنَعَ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي نَوْفَلٍ وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: «إنَّا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لَمْ نَفْتَرِقْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا فِي إسْلَامٍ وَلَمْ نَزَلْ هَكَذَا» وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَقَالَ فِي قِصَّةِ نُوحٍ {إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: ٤٦] بَيَّنَ بَعْدَ أَنْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ. وَأَمَّا السُّنَنُ فَبَيَانُ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: ٤٣] بِصَلَاةِ جِبْرِيلَ فِي يَوْمَيْنِ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ، وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» وَقَالَ: «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» وَ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» كُلُّهُ وَرَدَ مُتَأَخِّرًا عَنْ قَوْلِهِ: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] . وَغَيْرِهَا {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ} [آل عمران: ٩٧] الْآيَةَ وَقَالَ {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [التوبة: ٤١] وَهُوَ عَامٌّ ثُمَّ وَرَدَ بَعْدَهُ: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} [النور: ٦١] وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَعْذَارِ وَكَذَلِكَ أَمْرُ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْإِرْثِ وَرَدَ أَوَّلًا أَصْلُهَا ثُمَّ بَيَّنَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالتَّدْرِيجِ مَنْ يَرِثُ وَمَنْ لَا يَرِثُ وَمَنْ يَحِلُّ نِكَاحُهُ وَمَنْ لَا يَحِلُّ وَمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَصِحُّ.

وَكَذَلِكَ كُلُّ عَامٍّ وَرَدَ فِي الشَّرْعِ فَإِنَّمَا وَرَدَ دَلِيلُ خُصُوصِهِ بَعْدَهُ، وَهَذَا مَسْلَكٌ لَا سَبِيلَ إلَى إنْكَارِهِ، وَإِنْ تَطَرَّقَ الِاحْتِمَالُ إلَى أَحَدِ هَذِهِ الِاسْتِشْهَادَاتِ بِتَقْدِيرِ اقْتِرَانِ الْبَيَانِ فَلَا يَتَطَرَّقُ إلَى الْجَمِيعِ

الرَّابِعُ: أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ النَّسْخِ بِالِاتِّفَاقِ، بَلْ يَجِبُ تَأْخِيرُهُ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ، فَإِنَّ النَّسْخَ عِنْدَهُمْ بَيَانٌ لِوَقْتِ الْعِبَادَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَرِدَ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى تَكَرُّرِ الْأَفْعَالِ عَلَى الدَّوَامِ ثُمَّ يُنْسَخُ وَيُقْطَعُ الْحُكْمُ بَعْدَ حُصُولِ الِاعْتِقَادِ بِلُزُومِ الْفِعْلِ عَلَى الدَّوَامِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرِدَ نَسْخٌ، وَهَذَا أَيْضًا وَاقِعٌ، فَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ وَاقِعَةٌ دَالَّةٌ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ كُلِّ مَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ مِنْ عَامٍّ وَمُجْمَلٍ وَمَجَازٍ وَفِعْلٍ مُتَرَدِّدٍ وَشَرْطٍ مُطْلَقٍ غَيْرِ مُقَيَّدٍ، وَهُوَ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى مَنْ جَوَّزَ فِي الْأَمْرِ دُونَ الْوَعِيدِ وَعَلَى مَنْ قَالَ بِعَكْسِ ذَلِكَ.

وَلِلْمُخَالِفِ أَرْبَعُ شُبَهٍ.

الْأُولَى: قَالُوا: إنْ جَوَّزْتُمْ خِطَابَ الْعَرَبِيِّ بِالْعَجَمِيَّةِ وَالْفَارِسِيِّ بِالزِّنْجِيَّةِ فَقَدْ رَكِبْتُمْ بَعِيدًا وَتَعَسَّفْتُمْ، وَإِنْ مَنَعْتُمْ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُخَاطَبَةِ الْعَرَبِيِّ بِلَفْظٍ مُجْمَلٍ لَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ وَلَكِنْ يَسْمَعُ لَفْظَهُ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ خِطَابِهِ بِلُغَةٍ هُوَ وَاضِعُهَا وَحْدَهُ إلَى أَنْ يُبَيِّنَ. وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَوْلَى: أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا قَوْلَهُ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١] كَالْكَلَامِ بِلُغَةٍ لَا تُفْهَمُ مَعَ أَنَّهُ يَفْهَمُ أَصْلَ الْإِيجَابِ وَيَعْزِمُ عَلَى أَدَائِهِ وَيَنْتَظِرُ بَيَانَهُ وَقْتَ

<<  <   >  >>