أَوْ لَمْ يُوجَدْ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِكَوْنِ الْأَمْرِ لَازِمًا وَاجِبَ التَّنْفِيذِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِ كَوْنِهِ مَوْجُودًا بِسَبِيلٍ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا: الْأَمْرُ أَمْرٌ لِلْمَعْدُومِ بِتَقْدِيرِ الْوُجُودِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ بِشَرْطِ بُلُوغِهِ فَلَيْسَ الْبُلُوغُ شَرْطًا لِقِيَامِ نَفْسِ الْأَمْرِ بِذَاتِ الْأَمْرِ بَلْ لِلُزُومِ تَنْفِيذِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: اخْتِلَافُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ مَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ثُمَّ مَاتَ أَوْ جُنَّ قَبْلَ الْغُرُوبِ هَلْ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ؟ هَلْ يُلْتَفَتُ إلَى هَذَا الْأَصْلِ؟ قُلْنَا: أَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّا نَتَبَيَّنُ عِنْدَ زَوَالِ الْحَيَاةِ انْتِفَاءَ الْأَمْرِ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ، وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّا لَا نَتَبَيَّنُ عَدَمَ الْأَمْرِ فَيُحْتَمَلُ مِنْهُ التَّرَدُّدُ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَ قَدْ أَفْسَدَ بِالْجِمَاعِ الصَّوْمَ الَّذِي كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَقَطَعَ الصَّوْمَ الْوَاجِبَ بِحُكْمِ الْوَقْتِ، وَإِفْسَادُهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِ صَوْمٍ لَا يَتَعَرَّضُ لِلْفَسَادِ وَالِانْقِطَاعِ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَهَذَا مُتَعَرِّضٌ لَهُ فَيَكُونُ هَذَا مَانِعًا مِنْ الْإِلْحَاقِ بِالصَّوْمِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْجِمَاعُ لِإِفْسَادِهِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلَوْ عَلِمَتْ الْمَرْأَةُ بِالْعَادَةِ أَنَّهَا تَحِيضُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ أَوْ بِقَوْلِ نَبِيٍّ صَادِقٍ حَيْضًا أَوْ جُنُونًا أَوْ مَوْتًا فَهَلْ يَلْزَمُهَا الصَّوْمُ حَتَّى تَصُومَ بَعْضَ الْيَوْمِ؟ قُلْنَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ، لِأَنَّ بَعْضَ الْيَوْمِ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، وَهِيَ غَيْرُ مَأْمُورَةٍ بِالْكُلِّ، أَمَّا عِنْدَنَا فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ لِأَنَّ الْمُرَخِّصَ فِي الْإِفْطَارِ لَمْ يُوجَدْ، وَالْأَمْرُ قَائِمٌ فِي الْحَالِ، وَالْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لَوْ قَالَ: إنْ صَلَّيْتُ أَوْ شَرَعْتُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ الصَّوْمِ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ، ثُمَّ شَرَعَ ثُمَّ أَفْسَدَ أَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ قَبْلَ الْإِتْمَامِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَهَلْ يَلْتَفِتُ هَذَا إلَى هَذَا الْأَصْلِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ قِيَاسُ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنْ لَا يَحْنَثَ لِأَنَّ بَعْضَ الصَّوْمِ لَيْسَ بِصَوْمٍ، وَالْفَاسِدُ لَيْسَ بِصَوْمٍ وَقَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ بِالْآخَرِ، وَعَلَى مَذْهَبِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ، وَهَذِهِ صَلَاةٌ فِي الْحَالِ، وَتَمَامُهَا مُقَيَّدٌ بِالشَّرْطِ حَتَّى لَوْ قَالَ: " وَاَللَّهِ لَأَعْتَكِفَنَّ صَائِمًا " أَوْ " إنْ اعْتَكَفْتُ صَائِمًا فَزَوْجَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا " فَاعْتَكَفَ سَاعَةً صَائِمًا ثُمَّ جُنَّ أَوْ مَاتَ لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ فِي تَرِكَتِهِ، وَلَمْ تَرِثْهُ زَوْجَتُهُ.
وَلَا تَخْلُو هَذِهِ الْمَسَائِلُ عَنْ الِالْتِفَاتِ إلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَلَوْ قَالَ: " إنْ أَمَرْتُ عَبْدِي فَزَوْجَتِي طَالِقٌ " ثُمَّ قَالَ: " صُمْ غَدًا " طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْغَدِ فَلَا يُتَبَيَّنُ انْتِفَاءُ الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ: " إنْ وَكَّلْتُ وَكِيلًا فَزَوْجَتِي طَالِقٌ، وَإِنْ عَزَلْتُ وَكِيلًا فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ وَكَّلَ مَنْ يَبِيعُ دَارِهِ غَدًا ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ الْغَدِ طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ، وَعَتَقَ عَبْدُهُ.
الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ الْأَقْوَى: قَوْلُهُمْ: إنَّ الْأَمْرَ طَلَبٌ فَلَا يَقُومُ بِذَاتِ مَنْ يَعْلَمُ امْتِنَاعَ وُجُودِ الْمَأْمُورِ، فَكَيْفَ يَقُومُ بِذَاتِ السَّيِّدِ طَلَبُ الْخِيَاطَةِ إنْ صَعِدَ الْعَبْدُ إلَى السَّمَاءِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَصْعَدُ؟ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ: خِطْ إنْ صَعِدْتَ إلَى السَّمَاءِ لَكِنَّهُ صِيغَةُ أَمْرٍ، وَلَا يَقُومُ الطَّلَبُ بِذَاتِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: اصْعَدْ إلَى السَّمَاءِ، لَمْ يَكُنْ أَمْرًا لِعَجْزِهِ، وَعِلْمِ الْآمِرِ بِامْتِنَاعِهِ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ، وَأَنْتُمْ قَدْ مِلْتُمْ إلَى مَنْعِ تَكْلِيفِ الْمُحَالِ، وَبِهِ يُفَارِقُ الْآمِرُ الْجَاهِلَ، فَإِنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ عَجْزَ عَبْدِهِ عَنْ الْقِيَامِ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقُولَ: قُمْ، وَيَقُومُ بِذَاتِهِ الطَّلَبُ، أَمَّا إذَا عَلِمَ عَجْزَهُ فَلَا يَقُومُ بِذَاتِهِ طَلَبُ الْمُمْتَنِعِ.
وَهَذَا التَّحْقِيقُ، وَهُوَ أَنَّ الْجَهْلَ إذَا كَانَ شَرْطًا لِقِيَامِ هَذَا الْأَمْرِ بِذَاتِهِ فَالْمُؤَثِّرُ فِي صِفَةِ ذَاتِهِ جَهْلُهُ لَا جَهْلَ الْمَأْمُورِ، فَمَهْمَا عَلِمَ الْآمِرُ عَدَمَ الشَّرْطِ، فَكَيْفَ يَكُونُ طَالِبًا؟ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ طَالِبًا فَكَيْفَ يَكُونُ آمِرًا، وَالْأَمْرُ هُوَ الطَّلَبُ؟ وَهَذَا وَاقِعٌ، وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ مَعَ إنْكَارِهِمْ كَلَامَ النَّفْسِ، أَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute