اللَّفْظِ مِنْهُ.
وَأَمَّا الْمُطْلَقُ فَهُوَ الَّذِي لَا يُمْنَعُ نَفْسُ مَفْهُومِهِ مِنْ وَقْعِ الِاشْتِرَاكِ فِي مَعْنَاهُ، كَقَوْلِكَ السَّوَادُ وَالْحَرَكَةُ وَالْفَرَسُ وَالْإِنْسَانُ. وَبِالْجُمْلَةِ الِاسْمُ الْمُفْرَدُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ إذَا أُدْخِلَ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعُمُومِ. فَإِنْ قُلْتَ: وَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا وَقَوْلُكَ الْإِلَهُ وَالشَّمْسُ وَالْأَرْضُ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ مُفْرَدٍ مَعَ دُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ؟ فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ، فَإِنَّ امْتِنَاعَ الشَّرِكَةِ هَهُنَا لَيْسَ لِنَفْسِ مَفْهُومِ اللَّفْظِ بَلْ الَّذِي وَضَعَ اللُّغَةَ لَوْ جَوَّزَ فِي الْإِلَهِ عَدَدًا لَكَانَ وُجُودُ هَذَا اللَّفْظِ عَامًا فِي الْآلِهَةِ كُلِّهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ الشُّمُولُ لَمْ يَكُنْ لِوَضْعِ اللَّفْظِ بَلْ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ إلَهٍ ثَانٍ، فَلَمْ يَكُنْ امْتِنَاعُ الشَّرِكَةِ لِمَفْهُومِ اللَّفْظِ.
وَالْمَانِعُ فِي الشَّمْسِ أَنَّ الشَّمْسَ فِي الْوُجُودِ وَاحِدَةٌ، فَلَوْ فَرَضْنَا عَوَالِمَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ شَمْسٌ وَأَرْضٌ كَانَ قَوْلُنَا الشَّمْسُ وَالْأَرْضُ شَامِلًا لِلْكُلِّ. فَتَأَمَّلْ هَذَا فَإِنَّهُ مَزَلَّةُ قَدَمٍ فِي جُمْلَةٍ مِنْ الْأُمُورِ النَّظَرِيَّةِ، فَإِنَّ مَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ قَوْلِهِ السَّوَادُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ هَذَا السَّوَادُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ الشَّمْسُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ هَذِهِ الشَّمْسُ عَظُمَ سَهْوُهُ فِي النَّظَرِيَّاتِ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي.
التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ: إنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُتَعَدِّدَةَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُسَمَّيَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَنَازِلَ، وَلْنَخْتَرِعْ لَهَا أَرْبَعَةَ أَلْفَاظٍ وَهِيَ: الْمُتَرَادِفَةُ وَالْمُتَبَايِنَةُ وَالْمُتَوَاطِئَةُ وَالْمُشْتَرَكَةُ. أَمَّا الْمُتَرَادِفَةُ فَنَعْنِي بِهَا الْأَلْفَاظَ الْمُخْتَلِفَةَ وَالصِّيَغَ الْمُتَوَارِدَةَ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ كَالْخَمْرِ وَالْعُقَارِ وَاللَّيْثِ وَالْأَسَدِ وَالسَّهْمِ وَالنُّشَّابِ، وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ اسْمَيْنِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ يَتَنَاوَلُهُ أَحَدُهُمَا مِنْ حَيْثُ يَتَنَاوَلُهُ الْآخَرُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ.
وَأَمَّا الْمُتَبَايِنَةُ فَنَعْنِي بِهَا الْأَسَامِيَ الْمُخْتَلِقَةَ لِلْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ كَالسَّوَادِ وَالْقُدْرَةِ وَالْأَسَدِ وَالْمِفْتَاحِ وَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَسَائِرِ الْأَسَامِي وَهِيَ الْأَكْثَرُ. وَأَمَّا الْمُتَوَاطِئَةُ فَهِيَ الَّتِي تَنْطَلِقُ عَلَى أَشْيَاءَ مُتَغَايِرَةٍ بِالْعَدَدِ وَلَكِنَّهَا مُتَّفِقَةٌ بِالْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَ الِاسْمُ عَلَيْهَا، كَاسْمِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ وَخَالِدٍ، وَاسْمِ الْجِسْمِ يَنْطَلِقُ عَلَى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْإِنْسَانِ، لِاشْتِرَاكِ هَذِهِ الْأَعْيَانِ فِي مَعْنَى الْجِسْمِيَّةِ الَّتِي وُضِعَ الِاسْمُ بِإِزَائِهَا وَكُلُّ اسْمٍ مُطْلَقٍ لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ كَمَا سَبَقَ فَإِنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَى آحَادِ مُسَمَّيَاتِهِ الْكَثِيرَةِ بِطَرِيقِ التَّوَاطُؤِ كَاسْمِ اللَّوْنِ لِلسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَالْحُمْرَةِ فَإِنَّهَا مُتَّفِقَةٌ فِي الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ سُمِّيَ اللَّوْنُ لَوْنًا وَلَيْسَ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ أَلْبَتَّةَ.
وَأَمَّا الْمُشْتَرَكَةُ فَهِيَ الْأَسَامِي الَّتِي تَنْطَلِقُ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ لَا تَشْتَرِكُ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ أَلْبَتَّةَ، كَاسْمِ الْعَيْنِ لِلْعُضْوِ الْبَاصِرِ وَلِلْمِيزَانِ وَلِلْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْمَاءُ وَهِيَ الْعَيْنُ الْفَوَّارَةُ وَلِلذَّهَبِ وَالشَّمْسِ وَكَاسْمِ الْمُشْتَرِي لِقَابِلِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَلِلْكَوْكَبِ الْمَعْرُوفِ. وَلَقَدْ ثَارَ مِنْ ارْتِبَاكِ الْمُشْتَرَكَةِ بِالْمُتَوَاطِئَةِ غَلَطٌ كَثِيرٌ فِي الْعَقْلِيَّاتِ حَتَّى ظَنَّ جَمَاعَةٌ مِنْ ضُعَفَاءِ الْعُقُولِ أَنَّ السَّوَادَ لَا يُشَارِكُ الْبَيَاضَ فِي اللَّوْنِيَّةِ إلَّا مِنْ حَيْثُ الِاسْمُ وَأَنَّ ذَلِكَ كَمُشَارَكَةِ الذَّهَبِ لِلْحَدَقَةِ الْبَاصِرَةِ فِي اسْمِ الْعَيْنِ وَكَمُشَارَكَةِ قَابِلِ عَقْدِ الْبَيْعِ لِلْكَوْكَبِ فِي الْمُشْتَرِي، وَبِالْجُمْلَةِ الِاهْتِمَامُ بِتَمْيِيزِ الْمُشْتَرَكَةِ عَنْ الْمُتَوَاطِئَةِ مُهِمٌّ فَلْنَزِدْ لَهُ شَرْحًا فَنَقُولُ: الِاسْمُ الْمُشْتَرَكُ قَدْ يَدُلُّ عَلَى الْمُخْتَلِفَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ يَدُلَّ عَلَى الْمُتَضَادِّينَ كَالْجَلَلِ لِلْحَقِيرِ وَالْخَطِيرِ وَالنَّاهِلِ لِلْعَطْشَانِ وَالرَّيَّانِ وَالْجَوْنِ لِلسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَالْقُرْءِ لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ قَدْ يَكُونُ مُشْكِلًا قَرِيبَ الشَّبَهِ مِنْ الْمُتَوَاطِئِ وَيَعْسُرُ عَلَى الذِّهْنِ وَإِنْ كَانَ فِي غَايَةِ الصَّفَاءِ الْفَرْقُ وَلْنُسَمِّ ذَلِكَ مُتَشَابِهًا، وَذَلِكَ مِثْلُ اسْمِ النُّورِ الْوَاقِعِ عَلَى الضَّوْءِ الْمُبْصَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute