وَبَيَانُهُ بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْل، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا أَتَى بِالْفِعْلِ فَقَدْ أَتَى بِإِحْدَى خَصْلَتَيْ الْوَاجِبِ، فَيَكُونُ فِعْلُهُ وَاقِعًا عَنْ الْوَاجِبِ. فَإِنْ قِيلَ:، وَبِمَ يُعْرَفُ كَوْنُ فِعْلِهِ بَيَانًا؟ قُلْنَا: إمَّا بِصَرِيحِ قَوْلِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ بِقَرَائِنَ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ
إحْدَاهَا: أَنْ يَرِدَ خِطَابٌ مُجْمَلٌ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ بِقَوْلِهِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ ثُمَّ فَعَلَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَالتَّنْفِيذُ لِلْحُكْمِ فِعْلًا صَالِحًا لِلْبَيَانِ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ بَيَانٌ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَكَانَ مُؤَخِّرًا لِلْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَذَلِكَ مُحَالٌ عَقْلًا عِنْدَ قَوْمٍ، وَسَمْعًا عِنْدَ آخَرِينَ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ وَاقِعٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لَكِنَّ كَوْنَ الْفِعْلِ مُتَعَيِّنًا لِلْبَيَانِ يَظْهَرُ لِلصَّحَابَةِ إذْ قَدْ عَلِمُوا عَدَمَ الْبَيَانِ بِالْقَوْلِ، أَمَّا نَحْنُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَيَّنَ بِالْقَوْلِ، وَلَمْ يُبْلِغْنَا، فَيَكُونُ الظَّاهِرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْفِعْلَ بَيَانٌ؛ فَقَطْعُ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الْكُوعِ، وَتَيَمُّمه إلَى الْمِرْفَقَيْنِ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ، وَأَيْدِيكُمْ} [المائدة: ٦] .
الثَّانِيَةُ: أَنْ يُنْقَلَ فِعْلٌ غَيْرُ مُفَصَّلٍ كَمَسْحِهِ رَأْسَهُ، وَأُذُنَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِكَوْنِهِمَا مَسْحًا بِمَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ بِمَاءٍ جَدِيدٍ ثُمَّ يُنْقَلُ أَنَّهُ أَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً جَدِيدًا، فَهَذَا فِي الظَّاهِرِ يُزِيلُ الِاحْتِمَالَ عَنْ الْأَوَّلِ، وَلَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْوَاجِبَ مَاءٌ وَاحِدٌ، وَأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ مَاءٌ جَدِيدٌ، فَيَكُونُ أَحَدُ الْفِعْلَيْنِ عَلَى الْأَقَلِّ، وَالثَّانِي عَلَى الْأَكْمَلِ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يُتْرَكَ مَا لَزِمَهُ، فَيَكُونُ بَيَانًا لِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا فِي حَقِّهِ أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَثْبُتُ النَّسْخُ إلَّا بِبَيَانِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْحُكْمِ، نَعَمْ لَوْ تَرَكَ غَيْرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمْ يُنْكِرْ مَعَ مَعْرِفَتِهِ، فَيَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ.
الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ إذَا أُتِيَ بِسَارِقِ ثَمَرٍ أَوْ مَا دُونَ النِّصَابِ فَلَمْ يَقْطَعْ، فَيَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الْآيَةِ؛ لَكِنَّ هَذَا بِشَرْطِ أَنْ يُعْلَمَ انْتِقَاءُ شُبْهَةٍ أُخْرَى تَدْرَأُ الْقَطْعَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُتِيَ بِسَارِقِ سَيْفٍ فَلَمْ يَقْطَعْهُ فَلَا يَتَبَيَّنُ لَنَا سُقُوطُ الْقَطْعِ فِي السَّيْفِ، وَلَا فِي الْحَدِيدِ لَكِنْ يُبْحَثُ عَنْ سَبَبِهِ، فَكَذَلِكَ الثَّمَرُ، وَمَا دُونَ النِّصَابِ، وَكَذَلِكَ تَرْكُهُ الْقُنُوتَ، وَالتَّسْمِيَةَ، وَالتَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ إذْ يُحْمَلُ عَلَى نِسْيَانٍ أَوْ عَلَى بَيَانِ جَوَازِ تَرْكِ السُّنَّةِ، وَإِنْ تَرَكَ مَرَّاتٍ دَلَّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ الْفَخْذَ مَكْشُوفًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَوْرَةِ.
الْخَامِسَةُ: إذَا فَعَلَ فِي الصَّلَاةِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لَأَفْسَدَ الصَّلَاةَ دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ، كَزِيَادَةِ رُكُوعٍ فِي الْخُسُوفِ، وَكَحَمْلِ أُمَامَةَ فِي الصَّلَاةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ الْقَلِيلَ لَا يَبْطُلُ، وَأَنَّهُ فِعْلٌ قَلِيلٌ، هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» يَكُونُ بَيَانًا فِي حَقِّنَا.
السَّادِسَةُ: إذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ، وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ، وَالزَّكَاةِ مُجْمِلًا ثُمَّ أَنْشَأَ الصَّلَاةَ، وَابْتَدَأَ بِأَخِذِ الْجِزْيَةِ، فَيَظْهَرُ كَوْنُهُ بَيَانًا، وَتَنْفِيذًا، لَكِنْ إنْ لَمْ تَكُنْ الْحَاجَةُ مُتَنَجِّزَةً بِحَيْثُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ فَلَا يَتَعَيَّنُ لِكَوْنِهِ بَيَانًا بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا أَمَرَ بِهِ خَاصَّةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِذًا لَا يَصِيرُ بَيَانًا لِلْحُكْمِ الْعَامِّ إلَّا بِقَرِينَةٍ أُخْرَى.
السَّابِعَةُ أَخْذُهُ مَالًا مِمَّنْ فَعَلَ فِعْلًا أَوْ إيقَاعُهُ ضَرْبًا أَوْ نَوْعَ عُقُوبَةٍ فَإِنَّهُ لَهُ خَاصَّةً مَا لَمْ يُنَبِّهْ عَلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute