الْبَعْضِ الَّذِي لَيْسَ رِبَوِيًّا وَيَكُونُ هَذَا خَلَلًا فِي نَظْمِ الْقِيَاسِ كَمَا يَأْتِي وَجْهُهُ، وَإِنْ أَرَدْتَ الْكُلَّ فَمِنْ أَيْنَ عَرَفْتَ هَذَا وَمَا عَدَدْتَهُ مِنْ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ لَيْسَ كُلَّ الْمَطْعُومَاتِ؟
النَّظَرُ الثَّانِي: فِي شُرُوطِ النَّقِيضِ. وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ إذْ رُبَّ مَطْلُوبٍ لَا يَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ عَلَى بُطْلَانِ نَقِيضِهِ فَيُسْتَبَانُ مِنْ إبْطَالِهِ صِحَّةُ نَقِيضِهِ، وَالْقَضِيَّتَانِ الْمُتَنَاقِضَتَانِ يَعْنِي بِهِمَا كُلَّ قَضِيَّتَيْنِ إذَا صَدَقَتْ إحْدَاهُمَا كَذَبَتْ الْأُخْرَى بِالضَّرُورَةِ، كَقَوْلِنَا: الْعَالَمُ حَادِثٌ الْعَالَمُ لَيْسَ بِحَادِثٍ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ صِدْقُ إحْدَاهُمَا عِنْدَ كَذِبِ الْأُخْرَى بِسِتَّةِ شُرُوطٍ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي الْقَضِيَّتَيْنِ وَاحِدًا بِالذَّاتِ لَا بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ، فَإِنْ اتَّحَدَ اللَّفْظُ دُونَ الْمَعْنَى لَمْ يَتَنَاقَضَا، كَقَوْلِكَ: النُّورُ مُدْرَكٌ بِالْبَصَرِ غَيْرُ مُدْرَكٍ بِالْبَصَرِ، إذَا أَرَدْتَ بِأَحَدِهِمَا الضَّوْءَ وَبِالْآخَرِ الْعَقْلَ؛ وَلِذَلِكَ لَا يَتَنَاقَضُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ: الْمُضْطَرُّ مُخْتَارٌ الْمُضْطَرُّ لَيْسَ بِمُخْتَارٍ، وَقَوْلُهُمْ: الْمُضْطَرُّ آثِمٌ الْمُضْطَرُّ لَيْسَ بِآثِمٍ، إذْ قَدْ يُعَبَّرُ بِالْمُضْطَرِّ عَنْ الْمُرْتَعِدِ وَالْمَحْمُولِ الْمَطْرُوحِ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْمَدْعُوِّ بِالسَّيْفِ إلَى الْفِعْلِ، فَالِاسْمُ مُتَّحِدٌ وَالْمَعْنَى مُخْتَلِفٌ
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ وَاحِدًا وَالِاسْمُ مُخْتَلِفٌ، كَقَوْلِكَ: الْعَالَمُ قَدِيمٌ الْعَالَم لَيْسَ بِقَدِيمٍ، أَرَدْتُ بِأَحَدِ الْقَدِيمَيْنِ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: ٣٩] .
وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَنَاقَضْ قَوْلُهُمْ: الْمُكْرَهُ مُخْتَارٌ الْمُكْرَهُ لَيْسَ بِمُخْتَارٍ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ عِبَارَةٌ عَنْ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ
الثَّالِثُ: أَنْ تَتَّحِدَ الْإِضَافَةُ فِي الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ، فَإِنَّكَ لَوْ قُلْتَ زَيْدٌ أَبُ زَيْدٌ لَيْسَ بِأَبٍ، لَمْ يَتَنَاقَضَا إذْ يَكُونُ أَبًا لِبَكْرٍ وَلَا يَكُونُ أَبًا لِخَالِدٍ وَكَذَلِكَ تَقُولُ زَيْدٌ أَبٌ زَيْدٌ ابْنٌ، فَلَا يَتَعَدَّدُ بِالْإِضَافَةِ إلَى شَخْصَيْنِ، وَالْعَشَرَةُ نِصْفٌ وَالْعَشَرَةُ لَيْسَتْ بِنِصْفٍ أَيْ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْعِشْرِينَ وَالثَّلَاثِينَ؛ وَكَمَا يُقَالُ الْمَرْأَةُ مُوَلًّى عَلَيْهَا الْمَرْأَةُ غَيْرُ مُوَلًّى عَلَيْهَا، وَهُمَا صَادِقَانِ بِالْإِضَافَةِ إلَى النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ لَا إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَإِلَى الْعَصَبَةِ وَالْأَجْنَبِيِّ لَا إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْقُوَّةِ وَالْفِعْلِ، فَإِنَّكَ تَقُولُ: الْمَاءُ فِي الْكُوزِ مُرْوٍ، أَيْ بِالْقُوَّةِ؛ وَلَيْسَ الْمَاءُ بِمُرْوٍ أَيْ بِالْفِعْلِ؛ وَالسَّيْفُ فِي الْغِمْدِ قَاطِعٌ وَلَيْسَ بِقَاطِعٍ. وَمِنْهُ ثَارَ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْبَارِئَ فِي الْأَزَلِ خَالِقٌ أَوْ لَيْسَ بِخَالِقٍ.
الْخَامِسُ: التَّسَاوِي فِي الْجُزْءِ وَالْكُلِّ، فَإِنَّكَ تَقُولُ الزِّنْجِيُّ أَسْوَدُ الزِّنْجِيُّ لَيْسَ بِأَسْوَدَ، أَيْ لَيْسَ بِأَسْوَدِ الْأَسْنَانِ؛ وَعَنْهُ نَشَأَ الْغَلَطُ، حَيْثُ قِيلَ إنَّ الْعَالِمِيَّةَ حَالٌ لِزَيْدٍ بِجُمْلَتِهِ لِأَنَّ زَيْدًا عِبَارَةٌ عَنْ جُمْلَتِهِ وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّا إذَا قُلْنَا زَيْدٌ فِي بَغْدَادَ لَمْ نَعْنِ بِهِ أَنَّهُ فِي جَمِيعِ بَغْدَادَ بَلْ فِي جُزْءٍ مِنْهَا وَهُوَ مَكَانٌ يُسَاوِي مِسَاحَتَهُ.
السَّادِسُ: التَّسَاوِي فِي الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ فَإِنَّك تَقُولُ: الْعَالَمُ حَادِثٌ الْعَالَمُ لَيْسَ بِحَادِثٍ، أَيْ هُوَ حَادِثٌ عِنْدَ أَوَّلِ وُجُودِهِ وَلَيْسَ بِحَادِثٍ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ بَلْ قَبْلَهُ مَعْدُومٌ وَبَعْدَهُ بَاقٍ وَالصَّبِيُّ تَنْبُتُ لَهُ أَسْنَانٌ وَالصَّبِيُّ لَا تَنْبُتُ لَهُ أَسْنَانٌ، وَنَعْنِي بِأَحَدِهِمَا السَّنَةَ الْأُولَى