للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

انْفَرَدَ بِهِ الرَّاوِي لَا فِي جُمْلَةِ الْقِصَّةِ، فَمَا رَوَى فِي الْجَمَاعَةِ أَقْوَى فِي النُّفُوسِ وَأَقْرَبُ إلَى السَّلَامَةِ مِنْ الْغَلَطِ مِمَّا يَرْوِيهِ الْوَاحِدُ عَارِيًّا عَنْ قِصَّتِهِ الْمَشْهُورَةِ.

الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ رَاوِيهِ مَعْرُوفًا بِزِيَادَةِ التَّيَقُّظِ وَقِلَّةِ الْغَلَطِ، فَالثِّقَةُ بِرِوَايَتِهِ عِنْدَ النَّاسِ أَشَدُّ.

الْخَامِسُ: أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا سَمِعْنَا النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْآخَرُ أَنْ يَقُول كَتَبَ إلَيَّ بِكَذَا، فَإِنَّ التَّحْرِيفَ وَالتَّصْحِيفَ فِي الْمَكْتُوبِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْمَسْمُوعِ.

السَّادِسُ: أَنْ يَتَطَرَّقَ الْخِلَافُ إلَى أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الرَّاوِي أَوْ مَرْفُوعٌ، فَالْمُتَّفَقُ عَلَى كَوْنِهِ مَرْفُوعًا أَوْلَى.

السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ نَصًّا وَقَوْلًا وَالْآخَرُ يُنْسَبُ إلَيْهِ اجْتِهَادًا بِأَنْ يُرْوَى أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَانِهِ أَوْ فِي مَجْلِسِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ، فَمَا نُسِبَ إلَيْهِ قَوْلًا وَنَصًّا أَقْوَى؛ لِأَنَّ النَّصَّ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ وَمَا فِي زَمَانِهِ رُبَّمَا لَمْ يَبْلُغْهُ وَمَا فِي مَجْلِسِهِ رُبَّمَا غَفَلَ عَنْهُ.

الثَّامِنُ: أَنْ يُرْوَى أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ عَمَّنْ تَعَارَضَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا ضِدُّهُ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَعَارَضْ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارِضَ مُتَسَاقِطٌ فَيَبْقَى الْآخَرُ سَلِيمًا عَنْ الْمُعَارَضَةِ.

التَّاسِعُ: أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي صَاحِبَ الْوَاقِعَةِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْمَعْرِفَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ، فَرِوَايَةُ مَيْمُونَةَ «تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَنَحْنُ حَلَالَانِ بَعْدَ مَا رَجَعَ» مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ نَكَحَهَا وَهُوَ حَرَامٌ»

الْعَاشِرُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ أَعْدَلَ وَأَوْثَقَ وَأَضْبَطَ وَأَشَدَّ تَيَقُّظًا وَأَكْثَرَ تَحَرِّيًا.

الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عَلَى وَفْقِ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَهُوَ أَقْوَى؛ لِأَنَّ مَا رَآهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حُجَّةً وَإِجْمَاعًا إنْ لَمْ يَصْلُحْ حُجَّةً فَيَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَدِينَةَ دَارُ الْهِجْرَةِ وَمَهْبِطُ الْوَحْيِ النَّاسِخِ فَيَبْعُدُ أَنْ يَنْطَوِيَ عَلَيْهِمْ.

الثَّانِيَ عَشَرَ: أَنْ يُوَافِقَ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ مُرْسَلٌ غَيْرُهُ فَيُرَجَّحُ بِهِ مَنْ يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ عِنْدَ قَوْمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَجِّحًا.

الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنْ تَعْمَلَ الْأُمَّةُ بِمُوجِبِ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ، فَإِنَّهُ إذَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُمْ بِدَلِيلٍ آخَرَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخَبَرُ فَيَكُونَ صِدْقُهُ أَقْوَى فِي النَّفْسِ

الرَّابِعَ عَشَرَ: أَنْ يَشْهَدَ الْقُرْآنُ أَوْ الْإِجْمَاعُ أَوْ النَّصُّ الْمُتَوَاتِرُ أَوْ دَلِيلُ الْعَقْلِ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ عَلَى وَفْقِ الْخَبَرِ فَيُرَجَّحُ بِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: ذَلِكَ قَاطِعٌ فِي تَصْدِيقِهِ. قُلْنَا: لَا، بَلْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيمَا يُوَافِقُ الْقُرْآنَ وَالْإِجْمَاعَ فَيَقُولُ: سَمِعْتُ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ صِدْقُهُ إذَا اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى صِدْقِهِ لَا إذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى عَمَلٍ يُوَافِقُ خَبَرَهُ وَلَعَلَّهُ عَنْ دَلِيلٍ آخَرَ.

الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَخَصَّ وَالْآخَرُ أَعَمَّ فَيُقَدَّمَ مَا هُوَ أَخَصُّ بِالْمَقْصُودِ، كَتَقْدِيمِ قَوْلِهِ: «فِي الرِّقَةِ رُبُعُ الْعُشْرِ» فِي إيجَابِهِ عَلَى الطِّفْلِ وَالْبَالِغِ عَلَى قَوْلِهِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» لِأَنَّ هَذَا تَعَرُّضٌ لِنَفْيِ الْخِطَابِ الْعَامِّ وَلَيْسَ بِتَعَرُّضٍ لِلزَّكَاةِ وَلَا لِسُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْ الْوَلِيِّ بِإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ، وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مُتَعَرِّضٌ لِخُصُوصِ الزَّكَاةِ وَمُتَنَاوِلٌ لِعُمُومِهِ مَالَ الصَّبِيِّ فَهُوَ أَخَصُّ وَأَمَسُّ بِالْمَقْصُودِ.

السَّادِسَ عَشَرَ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُسْتَقِلًّا بِالْإِفَادَةِ وَمُعَارِضُهُ لَا يُفِيدُ إلَّا بِتَقْدِيرِ إضْمَارٍ أَوْ حَذْفٍ وَذَلِكَ مِمَّا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ زِيَادَةُ الْتِبَاسٍ لَا يَتَطَرَّقُ إلَى الْمُسْتَقِلِّ.

السَّابِعَ عَشَرَ أَنْ يَكُونَ رُوَاةُ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ أَكْثَرَ فَالْكَثْرَةُ تُقَوِّي الظَّنَّ وَلَكِنْ رُبَّ عَدْلٍ أَقْوَى فِي النَّفْسِ مِنْ عَدْلَيْنِ لِشِدَّةِ تَيَقُّظِهِ وَضَبْطِهِ، وَالِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ. هَذَا مَا يُوجِبُ التَّرْجِيحَ لِأَمْرٍ فِي سَنَدِ الْخَبَرِ أَوْ فِي مَتْنِهِ؛ وَقَدْ يُرَجَّحُ لِأُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنْهَا وَهِيَ خَمْسَةٌ:

الْأَوَّلُ: كَيْفِيَّةُ اسْتِعْمَالِ الْخَبَرِ فِي مَحَلِّ الْخَبَرِ كَقَوْلِهِ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» مَعَ

<<  <   >  >>