قوله: والذاكر للوتر بعد الصبح ليس يوتر، أشار به إلى أن من لم يذكر الوتر حتى صلى الصبح فقد فاته الوتر، وقد سبقت حكاية ابن عرفة -رحمه الله تعالى -الاتفاق على ذلك، وأما من ذكره أثناء الصبح فقيل يتمادى مطلقا، وقيل يقطع مطلقا، وقيل يقطع مطلقا ما لم يسفر جدا، وقيل يقطع الفذ ويتمادى غيره، وقيل يقطع الفذ والإمام، ويتمادى المؤتم، والمشهور في الفذ القطع.
قوله: وإن دخلت مسجدا البيتين، أشار به إلى استحباب تحية المسجد لحديث " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين "(١) قال في التاج: عياض: تحية المسجد فضيلة، قال مالك: وليست بواجبة، أبو عمر: على هذا جماعة الفقهاء، وكان القاسم يدخل المسجد فيجلس ولا يصلي، وقد فعل ذلك ابن عمر وسالم وابنه، قال: ورحل الغازي بن أبي قيس إلى المدينة المنورة ليسمع من مالك - رحمهما الله تعالى - فدخل ابن أبي ذئب مسجد النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - فجلس ولم يركع، فقال له الغازي بن أبي قيس: قم فاركع، فإن جلوسك دون ركوع جهل بالسنة، ونحو هذا من جفاء القول، فقام ابن أبي ذئب فركع، ثم أسند ظهره وجلس الناس إليه، فلما رأى ذلك الغازي ابن أبي قيس خجل وندم، فسأل عنه فقيل له هو ابن أبي ذئب أحد فقهاء المدينة وأشرافهم، فقام يعتذر إليه، فقال له ابن أبي ذئب: يا أخي لا عليك، أمرتنا بخير فأطعناك، ومن نحو هذا التخلق ما رواه القاضي عياض عن قاضي الجماعة ابن السليم، قال: حضر يوما مسجدا بأطراف قرطبة لانتظار جنازة، فحان وقت العصر، فأشار على رجل من العامة أن يؤذن، فتغير الرجل وقال: لم تر بالمسجد من هو أبخس مني، فتبسم القاضي واستغفر الله سبحانه وتعالى، ثم خرج بنفسه فأذن ورجع، وقال للرجل: قد رأيت من هو أبخس منك، فلا تعد لمثل قولك تاب الله تعالى علينا وعليك.