واستشكلت الفريضة أيضا لأنها مبنية على الرفض، والذمة قد برئت فعمارتها ثانيا تفتقر إلى دليل، واستشكل التفويض أيضا، بأن النية شأنها التمييز، والتفويض ضد ذلك، وقول عمر -رضي الله تعالى عنه -لما سئل عن ذلك: أوذلك إليك؟!
إنما ذلك إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ يجعل أيتهما شاء راجع إلى القبول، وبذلك فسره ابن الماجشون، وهو أمر آخر وراء النية.
ووجه القول بنية النفل أن الذمة قد برئت، لكن لا يراد بالنفل مطلق النفل، إذ تحصيل الجماعة فيه لا يقتضي حصولها في الفرض، كما قال ابن عبد السلام - رحمه الله تعالى - وهو بين، فالمراد إيقاعها لا على وجه الوجوب، وكأن وجه القول بنية الوجوب أن الوجوب مأخوذ في حقيقة الظهر مثلا، فمن نوى الندب فقد نوى غير الظهر مثلا، والتفويض - في ما قال ابن فرحون -: أن ينوي بالثانية الفرض، ويفوض إلى ـ الله سبحانه وتعالى ـ في القبول، قال وقد وقع لمالك - رحمه الله تعالى - في المبسوط ما يشير إلى هذا، نقله في المواهب.
وعلى هذا فالفرق بينه وبين نية الفرض الجزم بأن الثانية هي فرضه في نية الفرض، وهو متضمن لرفض الأولى، وأما التفويض فباعتقاد إرادة الخروج من الخطاب بجملة الصلاتين، قال ابن رشد: كالمتوضئ يغسل وجهه مرتين أو ثلاثا فإن ذكر أنه لم يعم في بعضها أجزأه ما عم به منهما.
قوله: ومثله مدرك دون ركعة، يعني به أن من أدرك مع الإمام أقل من ركعة يؤمر بالإعادة أيضا، لأنه لم يدرك الجماعة كما تقدم، فهو كالفذ سواء.
قوله: ولم يجز لمدرك الجماعة، يعني به أن من أدرك مع الإمام ركعة ففوق، لا يجوز له أن يعيد في جماعة، لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم:" لا تصلوا صلاة في يوم مرتين "(١)
(١) رواه أبو داود والنسائي والإمام أحمد، وهو حديث حسن صحيح.