أشار بالبيت الأول إلى أن من تيقن الوضوء وشك في الحدث بعده، يجب عليه الوضوء، كما هو ظاهر المدونة، وذلك لعمارة الذمة بيقين، فلا تبرأ إلا بيقين، وقد تقدم الكلام على ذلك في الوضوء، وتأول بعض الشيوخ المدونة على الاستحباب، وقيل لا يطلب منه الوضوء جملة، لا وجوبا ولا استحبابا، وقيل إن شك وهو في غير صلاة، وجب عليه الوضوء، وإن شك وهو في صلاة، أتم صلاته ولا شيء عليه، وقيل إن كان شكه لنحو ريح خُيل له لم ينقض، وإلا نقض، والمشهور الوجوب مطلقا، وهذا بالنسبة لغير الموسوس، وأما هو فلا ينتقض وضوءه بالشك، ومحل هذا كله إذا تيقن الوضوء، وتيقن سبقيته، وإلا نقض مطلقا، قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى -: ابن محرز: صوره ست، إن تيقنهما وشك في الأحدث، وجب الوضوء، ولو شك معه في وجودهما فكذلك، ولو أيقن الحدث وشك في رفعه فواجب، ولو شك مع ذلك في تقدمه فأوجب، ولو تيقن الوضوء وشك في نقضه جاء الخلاف، فإن شك مع ذلك في تقدمه فالوضوء أضعف.
وأشار بقوله: ومَن من الوضوء البيتين إلى أن من نسي فرضا من فرائض وضوئه -ولو لمعة منه -فإن تذكر بالقرب فعله فورا، ويستحب أن يعيد ما بعده للترتيب، وإن أخر بعد أن ذكر حتى حصل طول بطل وضوءه، وإن لم يتذكره حتى حصل طول اقتصر عليه على المشهور، وقال ابن حبيب يفعل ما بعده أيضا كما إذا تذكر بالقرب.
قوله: وعمد ذاك حيث طال أبطلا، يعني به أنه إذا فرق بين أعضاء وضوئه عمدا حتى حصل طول بطل وضوءه، والمشهور في الطول أنه بما تجف فيه الأعضاء المعتدلة في الزمان المعتدل، وقيل هو باجتهاد المتطهر، حكاه الباجي، كما نقله ابن عرفة - رحمهما الله تعالى ـ.
قوله: وإن يكن بعد صلاة البيت، يعني به أنه إذا صلى بوضوئه الناقص فرضا ساهيا فصلاته باطلة، لأنه محدث، وأما ما ذكره من إعادة الوضوء فهو خاص بما إذا كان ذلك عمدا، وهو ساقط في بعض النسخ، وهو أحسن.