وروى ابن وهب - رحمه الله تعالى - إن تعمد مسه نقض وإن نسي فلا شيء عليه، ورُوي أيضا أن الوضوء منه مستحب وليس بواجب، وقيل: إن مس الكَمَرة خاصة نقض وإلا فلا، حكاه الشارقي عن ابن نافع كما في مختصر سيدي ابن عرفة - رحمهم الله تعالى جميعا - والمعول عليه من هذه الأقوال القول الأول لظاهر معنى حديث إيجاب الوضوء من مس الذكر، فإن ظاهر المعنى أن إيجاب الوضوء من مس الذكر خصوصا إنما هو لتوقع اللذة، ولو أريد مطلق المس لنقض مسه إياه بعود أو آلة، كما امتنع ذلك للمحدث في مس القرآن، فتعينت الصيرورة إلى المعهود، والشأن أن ذلك إنما يكون بباطن اليد خاصة.
فإن قيل يرد على عدم إيجاب الوضوء بوجود اللذة من مسه بغير ذلك ما سبق في نقض الوضوء باللمس دون قصد لذة إذا وجدت منه لذة، من أن وجود اللذة أبلغ من ظنها.
أجيب بأن الفرق ندور اللذة في مس الذكر بغير باطن اليد، بل ندور المس بغير باطنها، فالتعلق بالمعنى المعروف والشأن المعهود يوجب النقض في اللمس، إذ وجود اللذة فيه مع عدم القصد كثير معهود، بخلافها في مس الذكر بغير بطن اليد، فهو كلمس الصغيرة والدابة، وذلك هو وجه تخصيص الذكر عن جميع ما سواه من الأنثيين والأرفاغ وغيرها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
هذا ولا يخفى عليك أن الحديث المذكور هو منزع أكثر الأقوال المتقدمة، فهي جارية وراء المعنى الذي يومئ إليه، وأسعدها به إن شاء الله سبحانه وتعالى المشهور كما بينت والله سبحانه وتعالى أعلم
واختلف في مس الذكر من وراء حائل، ثالثها ينقض مع الخفيف دون الكثيف، والمعول عدم النقض مطلقا لحديث ابن حبان وغيره " إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حائل فليتوضأ " وهو صحيح من رواية نافع - رحمه الله تعالى - والله سبحانه وتعالى أعلم.