والأصل في شرطية الصوم والمسجد قوله سبحانه وتعالى:(وأنتم عاكفون في المساجد) قال القاضي عبد الوهاب في الإشراف بعد أن تلا الآية الكريمة: فقصر الخطاب على الصائم، فلو لم يكن الصوم من شرط الاعتكاف لم يكن لذلك معنى، ولأن أكثر ما فيه أن يكون مجملا، وقد بينه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بفعله، فروي أنه اعتكف صائما، ولم ينقل أنه اعتكف مفطرا، وروي أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية يوما وليلا عند الكعبة، فسأل النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ عن ذلك، فقال:" صم واعتكف "(١) ولأن النذر محمولة على أصولها في الفروض، فما لا أصل له في الفروض لا يصير واجبا بالنذر، وقد اتفق على لزوم الاعتكاف بصوم مع النذر، فدل ذلك على أنه إنما لزمه لأنه يتضمن الصوم الذي له أصل في الوجوب.
وقال اللخمي -رحمه الله تعالى -في التبصرة: الاعتكاف في المساجد دون البيوت، لقول الله عز وجل:(وأنتم عاكفون في المساجد) ولأنه المروي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه وأزواجه أنهم اعتكفوا في المساجد، وفي اعتكاف أزواجه صلى الله تعالى عليه وسلم في المساجد مع كون النساء مندوبات إلى الكون في مبيتهن في بيوتهن، دليل بين أن للاعتكاف تعلقا بالمسجد.
(١) لم أقف على أمره بالصوم، والذي وقفت عليه عند الشيخين وغيرهما أنه أمره بالوفاء بنذره، وقد وقع في روايتهما أنه نذر اعتكاف ليلة، وفي رواية للبخاري أنه صلى الله تعلى عليه وسلم أمره أن يعتكف ليلة، فيكون نذره في الجوار لا في الاعتكاف.