قوله: وخذ من اهل الذمة، إلى قوله: ذوي الافتقار، أشار به إلى الجزية المذكورة في قوله سبحانه وتعالى:(قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) والجزية نوعان: عنوية وصلحية، وعرف ابن عرفة -رحمه الله تعالى -الأولى بقوله: ما لزم الكافر من مال لأمنه، باستقراره تحت حكم الإسلام وصونه.
وعرف الثانية بقوله: ما التزم كافر منع نفسه أداءه على إبقائه ببلده تحت حكم الإسلام حيث تجري عليه.
ومعلوم أن هذا بغير جزيرة العرب وهي مكة والمدينة واليمن، وما حول ذلك، وذلك لحديث " لا يبقين دينان أرض العرب "(١) ولذلك أجلاهم عمر -رضي الله تعالى عنه - منها، ولا يمنعون منها مسافرين، وقد ضرب لهم عمر -رضي الله تعالى عنه -ثلاثة أيام يتسوقون، وينظرون في حوائجهم.
والجزية العنوية: أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعون درهما على أهل الورق، ولا تضرب إلا على الذكر الحر المكلف المخالط، فلا تضرب على امرأة، ولا على عبد، ولا على صبي، ولا على راهب منعزل، ويخفف عن الفقير، فلا يؤخذ منه إلا ما يستطيع، وقال ابن الماجشون تسقط عنه جملة، واستحسنه اللخمي، ووجهه ابن بشير بالقياس على الزكاة، قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -: ابن رشد: لا نص لمالك وأصحابه في زمن وجوبها، وظاهر المذهب والمدونة تؤخذ آخر العام، وهو القياس كالزكاة، ومثله للباجي.
وأما الجزية الصلحية فقدرها ما يقع عليه الصلح، من قليل أو كثير، لكن إذا قبلوا قدر الجزية العنوية حرم قتالهم، وإذا صالحوا على جزية مبهمة وجبت لهم الذمة، ولزمهم قدر العنوية، ووقت الجزية الصلحية كوقت العنوية، وقيل تؤخذ منهم أول العام.