ولا يجوز لأحد أن يدخل مكة المكرمة إلا محرما، إلا من كان يتردد إليها، كالحطابين، ومن كان بها وخرج لحاجة، سواء كان من أهلها أو من أهل الآفاق إذا نزل بها في نسك، وعرضت له حاجة، وكذلك إذا خرج تاركا الإقامة ثم عاد إليها من قريب لأمر بدا له، كما حصل لعبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - حين خرج إلى المدينة المنورة فلما بلغ قُديدا بلغه خبر فتنة المدينة المنورة فرجع ودخل مكة من غير إحرام، (١) وهذا كله حيث لم يرد نسكا، قال في المواهب: فرع إذا أجزنا له الدخول بغير إحرام، كما في الرواية فإن ذلك إذا لم يرد الدخول بأحد النسكين، وأما إن أراد ذلك فيتعين عليه الإحرام من موضعه الذي خرج إليه، إن كان دون الميقات كجدة وعسفان، وإن جاوزه بغير إحرام مع إرادته لأحد النسكين، ثم أحرم من دونه، لزمه الدم، وهو ظاهر، كما صرحوا بأن من جاوز الميقات ولم يكن مريدا لدخول مكة المكرمة، ثم أراد بعد ذلك الدخول بأحد النسكين، فإنه يلزمه الإحرام من موضعه ذلك، وأنه متى جاوزه كان عليه دم، كما صرح به في التلقين وغيره، وبذلك شاهدت والدي يفتي غير مرة، فيمن خرج لجدة بنية العود، ثم إنه لما رجع أخر الإحرام إلى حدة، ولم يحرم من جدة، وحدة ـ بالحاء المهملة ـ: قرية بين مكة المكرمة وجدة، وعرضته على جماعة من المشائخ فوافقوا عليه، وخالف في ذلك بعض مشائخنا وليس بظاهر، وكلمه الوالد في ذلك، وما أدري هل رجع عن ذلك أم لا والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما ما اعترضه به الرهوني فغير ظاهر، والنصوص التي ساق في ذلك لا تدل على مراده، فليس المراد في كلام العتبية أنه يريد أن يحرم بالحج في عودته تلك، بل المراد أنه بنيته العود وعدم الرجوع إلى بلده صار في معنى المقيم ولا يرتفع ذلك المعنى بخروجه لحاجة عرضت له بمثل جدة كما هو نص السؤال.
(١) رواه الإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ في الموطإ.