قوله: والانتفاع بجلودها البيتين، معناه أن الانتفاع بجلد الميتة بعد دبغه جائز، واختلف هل يطهر بذلك أو يرخص في الانتفاع به من غير طهارة، وينبني على ذلك الاختلاف في الانتفاع به في غير اليابس والماء، كالزيوت، والألبان، ونحو ذلك، وجواز الصلاة عليه، وجواز بيعه، والمشهور من المذهب أنه لا يطهر بذلك، ولكن يرخص في الانتفاع به في اليابس والماء، وقال ابن وهب - رحمه الله تعالى - وجماعة يطهر بذلك، وهو أبين، والأول أحوط، ومنشأ الخلاف ورود ما يشهد لكل، فحديث " إنما حرم أكلها "(١) ظاهره التقرير على قولهم إنه ميتة، مع احتمال الطهارة في الأحاديث المصرحة بالطهارة للطهارة اللغوية، خاصة وأن الطهارة الشرعية لم تعهد بغير الماء والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: بعكس ما كان البيت، معناه أن جلود السباع المذكاة لأخذ جلودها خاصة تجوز الصلاة عليها، ويجوز بيعها، فمذهب مالك - رحمه الله تعالى - أن كلما يطهره الدباغ تطهره الذكاة، كما قال ابن رشد - رحمه الله تعالى - وقد اختلف أهل المذهب في كراهة أكل السباع وحرمتها، فروى العراقيون عن مالك - رحمه الله تعالى - كراهتها من غير تفصيل، وقال ابن حبيب - رحمه الله تعالى -: لم يختلف المدنيون في تحريم لحوم السباع العادية، الأسد، والنمر، والذئب، والكلب، فأما غير العادية كالدب، والثعلب، والضبع، والهر الوحشي والإنسي، فمكروهة دون تحريم، قاله مالك وابن الماجشون، نقله في التاج.
(١) متفق عليه من حديث ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ.