ساق الشيخ - رحمه الله تعالى - هنا لفظ حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - الذي رواه مالك والبخاري وغيرهما " من نذر أن يطيع الله تعالى فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله تعالى فلا يعصه " و قد اقتضى هذا الخبر وجوب الوفاء بنذر الطاعة، وقد دلت على ذلك أخبار أخرى كثيرة، كخبر عبد الله بن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ـ يوما ينهانا عن النذر ويقول:" إنه لا يرد شيئا، ولكنه يستخرج به من البخيل "(١) وقال سبحانه وتعالى: (ومنهم من عاهد الله لئن آتينا من فضله لنصدقنَّ ولنكوننَّ من الصالحين فلما آتيهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) قال في التبصرة: وقد قيل إن الآية الكريمة نزلت في مانع الزكاة، وهذا غير مانع للاحتجاج بما قلناه، لأن الله سبحانه و تعالى أخبر أنه لم يذممهم ويعاقبهم لمخالفة أمره، وأن ذلك لمخالفة الوعد.
وقد اقتضى الحديث المذكور أيضا حرمة الوفاء بنذر الحرام، ويشمل ذلك عند مالك - رحمه الله تعالى - نذر ما ليس بطاعة مما ليس محرما في الأصل، قال يحيى بن يحيى في موطئه: وسمعت مالكا يقول معنى قول رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: " من نذر أن يعصي الله تعالى فلا يعصه " أن ينذر أن يمشي إلى الشام أو إلى مصر أو إلى الربذة أو ما أشبه ذلك مما ليس لله سبحانه وتعالى بطاعة إن كلم فلانا أو ما أشبه ذلك، فليس عليه في شيء من ذلك شيء إن هو كلمه أو حنث بما حلف عليه، لأنه ليس لله سبحانه وتعالى في هذه الأشياء طاعة، وإنما يوفى لله سبحانه وتعالى بما له فيه طاعة.