وذلك لما في الموطإ عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه مولاة عائشة أم المؤمنين - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - أنها قالت كان النساء يبعثن إلى عائشة - رضي الله تعالى عنها - بالدَّرَجة فيها الكُرْسُف فيه الصفرة من دم الحيضة يسألنها عن الصلاة فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيضة، وفرق ابن الماجشون بين أن ترى ذلك عقيب الطهر فلا يكون حيضا، لحديث أم عطية - رضي الله تعالى عنها - كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا، وأن تراه قبله فيكون حيضا، ونسب هذا لأكثر أهل العلم.
والمعول قول ابن القاسم، وأما خبر أم عطية ـ رضي الله تعالى عنها ـ فالمتجه أن موضوعه التي يقع لها ذلك لبرد الماء ونحوه، وقد عرف عن كثير من النساء أنهن إذا تطهرن قرب طهرهن عاودهن بعض الدم للاغتسال، فيكون المراد بالطهر في كلامها الغسل، فيكون قولها بعد الطهر إيماء لسبب عدم الاعتبار، وإلا فما وجه اختصاص عدم الاعتداد بكون ذلك واقعا بعد الغسل، وقد وقع الخبر عند الدارمي بإسناد صحيح بلفظ " كنا لا نعتد بالصفرة والكدرة بعد الغسل " وإذا ثبت كون الصفرة والكدرة من جنس الحيض كما في خبر علقمة - رحمه الله تعالى - فما وجه اختصاص ذلك بأول الحيض وآخره عما كان بعد الطهر.
فإن قيل إذا كان هذا هو المراد في خبر أم عطية -رضي الله تعالى عنها -فلم خصت الصفرة والكدرة؟
أجيب بأنها خصت ذلك بالذكر جريا على ما هو الشأن، فإن شأن الدم الذي ليس بحيض أن يكون مفتوح اللون كما دل عليه حديث الصحيح في المستحاضة والله سبحانه وتعالى أعلم.