ومثل الفشو وشهادة الواحد استفتاؤهما كما قال ابن عرفة - رحمه الله تعالى - وإن ولدت لحق الولد به الولد، لتشوف الشرع إلى اللحوق، وما ذكره بعض أهل البلد من عدم اللحوق في مثل ذلك غلط إن شاء الله تعالى (١)
(١) من أهم المسائل التي عول عليها، الإجماع على أن النسب لا يثبت إلا بالشاهدين، وأن التلازم الذي نظمه ابن عاصم لا يتناول ما ليست فيه بينة، لعدم صدق حد النكاح الذي في حدود ابن عرفة ـ رحمه الله تعالى ـ عليه، وأن اللخمي ذكر أن من الحرام ما يندرئ فيه الحد ولا يلحق فيه الولد، وأنه ليس في الحقوق ما يثبت بشاهد، والجواب عن الأمر الأول أن الإجماع على اعتبار الشاهدين في النسب، لا يستلزم الإجماع على مثل ذلك في سبب النسب، فالمراد بأن النسب لا يثبت إلا بشاهدين، ما إذا ادعى النسب استقلالا، بأن يقول: أنا ابن فلان، أو أخوه، أو عمه، وأما لحوق الولد فلا يتوقف على ذلك على وجه مطرد، فسيد الأمة إذا أقر بوطئها ولم يدع استبراءها، وثبت بشهادة امرأتين أنها ولدت ولدا، لحق به، وإن أنكره، وإن كان ملكه لها غير ثابت إلا بشاهد ويمين، أو شاهد وامرأتين، أو إقرار من ثبت ملكه عليها قبله، والمولود للطارئين لاحق مع أن نكاحهما ثابت بمجرد تصادقهما، وكذلك الولد في الشبهة، فالشبهة لا يطلب فيها شاهدان، بل مجرد دعواه الاشتباه مقبول حيث لا يستبعد، وقد نصوا على جريان اللعان فيها كالزوجية، ولم نجد من فرق بين شبهة وشبهة، فعلى المفرق بينهما بيان النص الدال على ذلك، وقد تقدم في كلام القرافي في الذخيرة في عد ما يتسبب عن مغيب الحشفة، أن من ذلك لحوق الولد في وطء الشبهات، بصيغة الجمع المعرف، وأما ما ذكره من أن القاعدة التي عقد ابن عاصم خاصة بما عليه بينة إلخ فغير بين، ومما يدل على ذلك قول مالك ـ في مسألة المرأة التي ظهر بها حمل وقالت من فلان، فقد تزوجني، بعد ما قال بحدها إن لم تقم بينة، فقالوا له: أيثبت نسب هذا الولد؟ ـ: إذا أقيم الحد لم يثبت نسب، فمقتضى هذا جريان هذا الضابط في ما لا بينة فيه، وإلا لقال: ليس هذا بنكاح، ومما يدل عليه قولهم: لا يجتمع الحد والنسب إلا في مسائل، ومن هذه المسائل ما ليس بنكاح أصلا، فدل على أن البحث مفروض في ما هو أعم من النكاح، وأما قول اللخمي إن من الحرام ما يندرئ فيه الحد ولا يلحق فيه الولد، فالجواب عنه أننا لا ندعي لزوم اللحوق في وطء الشبهة مطلقا، وإنما ندعي سببية الشبهة للحوق في من ليست فراشا، وأما المتزوجة والسرية فولدهما لاحق بالزوج والسيد، لا بالمشبه، لما هو متقرر من أن " الولد للفراش " وأما ما ذكره من أنه لا يعلم حق يثبت بشاهد، فغير وجيه أيضا، فالحق قد يثبت بمجرد القرينة، ولا يعني ذلك أن القرينة نصاب، يثبت به في كل موضع، وبالجملة فاللحوق في مسألة الشبهة، والطارئين، وغيرهما، كاف في أن النسب قد يثبت دون شاهدين، والوجه في التلازم المذكور أن الولد أعذر من الأبوين، فإذا عذرا بالشبهة في جهة درء الحد، توجه أن يعذر في ناحية اللحوق، مع ما هو معلوم من تشوف الشرع للحوق، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.