معناه أنه إذا خير زوجته أو ملكها كان لها أن تطلق نفسها، ما لم ينقض المجلس، أو يطول حتى يرى أنهما قد تركا ذلك وخرجا من الكلام الذي كانا فيه إلى غيره، هذا هو المشهور في المذهب، وبه كان يقول مالك - رحمه الله تعالى - أولا، ثم رجع إلى بقائها على ذلك ما لم توقف عند قاض، أو تمكن من نفسها، قال ابن القاسم: قول مالك الأول أعجب إلي، وبه آخذ، وعليه جماعة الناس، ومحل الخلاف إذا أطلق ولم يقيد، ولم ينص على العموم، فإن قيد بأن قال إن ذلك لا يكون لها إلا إذا اختارت في الحال، أو نص على أن ذلك بيدها وإن تفرقا، عمل على ذلك اتفاقا في الوجهين، والتخيير كأن يقول: اختاريني أو اختاري نفسك، فهو صريح في البينونة محتمل في العدد، فليس له أن يناكر المدخول بها إذ لا تبين بدون الثلاث، وليس لها أن تقضي بدون الثلاث، لأنه إنما خيرها فيها، فإن قضت بدونها بطل ما قضت به، وبطل تخييرها على المشهور، بخلاف غيرها إذا ادعى أنه نوى واحدة، والتمليك كأن يقول: أمرك بيدك أو طلاقك بيدك، فهو نص في مطلق الطلاق محتمل في البينونة والعدد، فله أن يناكر في ما زاد على الواحدة، حيث لا قرينة تدل على خلاف دعواه، وذلك لما في الموطإ عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - وأما التخيير فجاء عن علي - رضي الله تعالى عنه - وغيره أنه بينونة، ومحل قبول المناكرة، إذا ادعى أنه أراد الواحدة مثلا، وحلف، ولم يكن ذلك مشترطا في العقد، وقيل إن الفرق بين التخيير والتمليك منشؤه العرف لا اللغة، فالتخيير كان في عرفهم مقتضيا للبينونة، دون التمليك، فإذا انعكس العرف انعكس الحكم، وهذا أوجه، والانعكاس بتغير الاستعمال لا أعتقد أنه محل خلاف، سواء كان الفرق الأول مبنيا على اللغة أو العرف، لأن كل لفظ لم يتعبد به فمناط الحكم فيه دائر مع قصود المتكلمين، وقرينتها الاستعمال والله سبحانه وتعالى أعلم.