وقال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: وهو في الشرع على ما هو عليه في اللغة، إلا أنه قد تعرف في الشرع في الحلف على اعتزال الزوجات وترك جماعهن، حيث ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه، ونص على الحكم فيه، وأصل ذلك أن الرجل كان في الجاهلية إذا كره المرأة وأراد تقييدها ألا تنكح زوجا غيره حلف ألا يقربها، فتركها لا أيما ولا ذات بعل، إضرارا بها، وفعل ذلك في أول الإسلام فحد الله سبحانه وتعالى للمولي من امرأته حدا لا يتجاوزه، وخيره بين أن يفيء فيرجع إلى وطء امرأته، أو يعزم على طلاقها، فقال سبحانه وتعالى:(للذين يولون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءو فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم).
قوله: وحالف البيتين، معناه أن من حلف على ترك وطء زوجته مدة زائدة على أربعة أشهر فهو مول، فإذا تمت الأشهر الأربعة أوقفه القاضي فأمره بالفيئة أو الطلاق للآية الكريمة.
ويعتبر ابتداء الأشهر من يوم يمينه إذا كانت يمينه صريحة في ترك الوطء، نحو لا أطؤك خمسة أشهر، وإلا فمن الرفع والحكم، كالذي يقول إن لم أفعل كذا مثلا فأنت طالق وأمكنه فعله، فإنه يحال بينه وبينها حتى يفعله، وإن رفعته زوجته ضرب له القاضي أجل الإيلاء من يوم الرفع والحكم، قال ابن رشد - رحمه الله تعالى -: ولا يكون الحالف بترك الوطء موليا إلا بشرط أن يكون حلفه في حال الغضب إرادة الضرر، فإن لم يكن على وجه الضرر وكانت يمينه على وجه الإصلاح، كالذي يحلف ألا يطأ امرأته حتى تفطم ولدها، أو حتى يبرأ من مرضه، وما أشبه ذلك لم يكن موليا عند مالك وأصحابه، وقال ذلك علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - وذهب الشافعي وأبو حنيفة ومن تبعهما إلى أنه مول بكل حال، وحجتهم عموم قول الله عز وجل في الآية الكريمة وأنه لم يخص فيها غاضبا من راض ولا محسنا من مسيء.